على الرصيف .

* نشرت في جريدة " الثورة " العدد 1534 في 16 آب 1973. 
* قدمها الشاعر: " كان أول وجه التقيت به وأنا أصل الرصيف ناجياً من الموت بأعجوبة متخطياً الضوء الأحمر .."

لم يَعْدُ عامَيْنِ وكانتْ له
من ثقةٍ بالنفس أعوامُ

يمشِي الهُوَينى يستشفُّ الرؤى
كما أَتَى المرسَمَ رسّام

على " الرصيفِ " لم يَعُقْ سيرَه
خَلْفٌ، ولم يزْحَمْه قُدّام

وأمُّه ترعاهُ قَوّامةً
وهو غداً راعٍ وقوّام

بينا ابنُ ستينَ وفي زَعْمِه
من عبقرٍ يأتيهِ إلهام

يَختَبِطُ " الشارع " مِنْ حولِه
تنهالُ للأخطارِ أكوام (1)

* * *

حَيَّيْتُهُ فردَّها لي فمٌ
مثلُ فَمِ البُلْبلِ تَمْتام

وافترَّ وَجْهٌ ما به غَيْمةٌ
ويشجُبُ البَدْرَ ويَغْتام (2)

لم يعدُ عامَيْنِ، وفي عَينِه
مَلْيونُ عامٍ لمَّها عام

يابنَ الحَضاراتِ أباً عن أبٍ
شَدَّتْكَ أخوالٌ وأعمام

باقٍ على الأنطافِ من لُطْفِها
وَشْمٌ، وفي الأصلابِ أختام (3)

في كل حَقْل من مَيادينها
عِطْرٌ من التاريخ نَمّام

غَذَتْكَ أمٌّ ثَدْيُها نِعمةٌ
ودَرُّه فَهْمٌٌ وإفهام

حَنَتْ على وجهِك أنفاسُها
فهو كلَوْحِ الزَهْر بَسّام

وراوَحَتْه بَسَماتُ الصِبا
وداعَبَتْ روحَك أنسام

وغَنَّتِ الحُبَّ وأنغامَه
فأرهفَتْ سَمْعَك أنغام


(1) يختبط الشارع: يقطعه.
(2) يشجب: يهلك وهي هنا يغلب. يغتام: يعلوه الغيم.
(3) أنطاف: جمع نطف وهو القطر. الأصلاب: جمع صلب وهو الظهر.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السادس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1977م