أجب أيُّها القلب .

* نظمت عام 1940 ، وكان الشاعر على حالة شديدة من التأثر النفسي . 
* نشرت في جريدة "الرأي العام" بالعدد 454 في 28 كانون الثاني 1941. 
* وقد أثار نشر هذه القصيدة قرائح رهط كبير من الشعراء والأدباء العراقيين الذين شاطروا الشاعر تأثره وألمه ، وكان في الطليعة منهم الرصافي بقصيدته المشهورة التي يواسي بها الشاعر ويتفجع له ، ومطلعها : 
              أقول لرب الشعر مهدي الجواهري 
                                إلى كم تناغي بالقوافي السواحر .

أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ
مزاميرَ عزّافٍ ، أغاريدَ ساجعِ

لِطافاً بأفواه الرُّاة ، نوافذاً
إلى القلب، يجري سحرهُا في المسامع

تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها
وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع

بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين ، وقولِهم ْ :
أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع

أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ
أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع

وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً
لِطافاً مجاريها ، غِرارَ المنابع

* * *

أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً
إذا لم أُشاورْهُ ، ولستُ بسامع

وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً
وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع

يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ
متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع

أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ
بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع

بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً
وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع

قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ
يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع

وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما
تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي

* * * 

ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي
شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع

ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ
شَكاةٌ بأخرى، دامياتِ المقاطع

وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها
ولا هي مما يتقى بالمباضع

ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها
برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع

أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ
نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع

حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني
حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع

وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً
وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع

وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً
لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع


المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثالث-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1974م