أجب أيُّها القلب .

تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً
من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع

تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها
على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي

على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ
تلوحُ له أشباحُها في الطلائع

فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ
يدٌ ،ويدٌ بين الحشا والأضالع

فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ
فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع

ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً
شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع

ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا
براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع

حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ
إلى القبرِ أخرى ، وهي أمُّ الفجائع

وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ
مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي

ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها
مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع

غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها
ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي (1)

رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ
مليءٍ ، وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع

كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ
تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع

وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع
تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع

وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ
ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع (2)

وكُنَّ بريقاً في عُيوني ، وهِزَّةً
بجسمي ، وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي

وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً
مِن النوم يَسري في العيون الهواجع

ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها
إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع

وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي
وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع

وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ
وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع

ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ
وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع


(1) الصفاة : الصخرة الملساء .
(2) سافع : أسود .