المحرقة.

مشى الدهر نحوي مستثيراً خطوبه
كأني بعين الدهر قيصر أو كسرى

وقد كان يكفي واحد من صروفه
لقد أسرفت إذ أقبلت زمراً تترى

شربت على الحالين بوسٍ ونعمة
وكابدت في الحالين ما نغّص السكرا

حُبيت بنُدمان وخمر فغاضني
بأنيَ لا ملكاً حبيت ولا قصرا

ولو بهما مُتعت ما زلت ساخطاً
على الدهر إذ لم يحْبُني حاجة أخرى

فما انفك حتى استرجع الدهر حلوه
وحتى أراني أنني لم أذق مرّا

وجوزيتُ شراً عن طموحي فها أنا
برغمي لا خلاًّ تخذت ولا خمرا

فإن يُشمِت الأعداء أخذي فلم أكن
بأولَ مأخوذ على غرة غدرا

وإن تفترسني الآكلات فبعد ما
وثقت بها فاستلّت الناب والظفرا

وإن تُلهبِ الشكوى قوافيّ حرقة
وغيضاً فإني قادح كبدا حرّى

وكنتُ متى أغضبْ على الدهر أرتجل
محرقة الأبيات قاذفة جمرا

كشأن " زياد" حين أُحرجَ صدره
وضويق حتى قال خطبته البترا

أو " المتنبي " حين قال تذمرا
" أفيقا خُمارُ الهم بغّضني الخمرا "

وما زلت ذاك المرء يوسع دهره
وأوضاعه والناس كلهم كفرا