أسيدتي نجاح .

نَهَيْتُ النفسَ تَغرَق في هواها
فتغْرَق في الشَّكاة وفي الوجيب

وتُغرى بالصبابة وهي حتفٌ
كما تغرى الفراشةُ باللهيب

وقلت لها: نذيرُك ما تبقى
على شعفاتِ قلبك من نُدوب (8)

وحسبكِ ما لقيتُ بأن تَكُفي
على الموت البطيء وأن تتوبي

فقالت: لن أتوبَ وفي دمشقٍ
هوى أُصلى عليه ويصطلي بي

وهبني تُبتُ عن صَبَوات عهد
يرف بملعب الرشأ الربيب

فكيف أتوبُ عن جمرات وجدٍ
لديكَ وأنت ترفلُ في المشيب

وسمّارٍ غَساسِنَةٍ تجلى
بغرّ جباههِم سودُ الخطوب

أتوب ؟ .. وأنت قد عبّدت دربي
فضاع عليّ مفترقُ الدُّروب

وعندي بالذي آتي شفيعٌ
على ما فيّ من زللٍ وحُوب (9)

يُجبُ قصيدُك الحلوُ الخطايا
وكان الشعرُ جبّابَ الذُّنوب (10)

* * *

نسيمَ صبا دمشقَ أسلْ نديا
من الرَّشفات في كأسي وكوبي

وهُبَّ عليَّ مرتفقاً تصعد
حِمام النفس تؤذنُ بالهبوب

ودع عَذْباً من الهمسات تجري
على شفتي كمسترق الدبيب

وأطلق عقلةً شبكت لساني
وما أنا بالعقيل ولا الهُيوب

وهبْني من شذاك ذكيَ نفحٍ
يَليق بغصن أندلس الرطيب

* * *

أسيدتي نجاحُ إليكِ أُهدي
تحيات الأديب إلى الأديب

إلى ريحانة الأدب المصفّى
تَرِف بواحةِ الذهن الخصيب

أسيدتي نجاحُ وأنتِ أدري
بما تُنبي القلوب عن القلوب

عَرَفْتُ عميمَ فضلِك من بعيد
ورُزت كريم نبلك من قريب

وطابقت السَّماعَ على عِيان
وجانستُ الأهابةَ بالمُهيب

فكنتِ بحيثُ تلتحمُ السجايا
مهذبةً بمحتشمٍ مَهيب

أسيدتي وكل أخي نصاب
من الدنيا سيقنع بالنصيب

وكل أخٍ مفارِقُهُ أخوه
وكل مُشَعْشَع فإلى غروب (11)

إليكِ فزِعت منك فقد رماني
نداك على شفا جُرُف رهيب

وقد بالغتِ في الألطاف حتى
كأنك تحرِصين على هروبي

وأطمعُ أن أثوبَ وفيَّ خوفٌ
على ما أنتِ فيه أن تثوبي

سلمتِ ولا برِحتِ منارَ مجدٍ
وبرجَ هدى، ومفخرةَ الحُقوب (12)


(8) شعفات: أطراف، رؤوس.
(9) الحوب: الإثم.
(10) يجب: يقطع، يمحو.
(11) مشعشع: مضيء.
(12) الحقوب: جمع حقبة، الأزمان.