ابراهيم حاج عبدي – دمشق
قبل تسع سنوات، وفي مثل هذا الشهر، شهر تموز، وتحديدا في السابع والعشرين منه، رحل الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. وليس من باب الإنشاء الأدبي القول بأنه، وبرحيله، ترك فراغا كبيرا إذ افتقد الشعر العربي المعاصر أحد رموزه البارزين. وبهذه المناسبة، سنقدم فيما يلي قراءة في تجربة هذا الشاعر، بالاعتماد على كتب أصدرتها دار المدى عن الجواهري.
يعد الجواهري واحدا من الشعراء القلائل الذين احتلوا مكانة بارزة في عالم الشعر ودنيا الأدب، فهو قامة شعرية سامقة باعتراف خصومه قبل أصدقائه. عاش حوالي قرن كامل (1901 ـ 1997) ليكون شاهدا بالكلمة والموقف على مراحل مليئة بالاضطرابات والخيبات والثورات، فلم يكتف بالتفرج على ما يحدث بل لعب دورا فعالا في مختلف المسائل والقضايا والمناسبات وأثارت قصيدته من حوله الكثير من الخصومات والعداوات.
ورغم كل ما كتب عنه فان ثمة سؤالا مشروعا يعاد طرحه في كل حين، مفاده: من هو هذا الجواهري الذي استطاع بصوته الجهوري الهادر وقصيدته الرصينة المتوغلة في بحار الفصاحة أن يصنع صوتا شعريا متفردا انتزع إعجاب القارئ والناقد معا ليكون آخر الشعراء الكلاسيكيين؟ ما هو حقيقة هذا الشاعر العراقي النجفي الذي استطاع أن يصنع من الأحزان، وآلام الفقراء والبسطاء تاجا ثمينا، إذ أجاد الجواهري وأبدع، أيما إبداع، في كتابة قصيدة العمود الموزونة والمقفاة، بالرغم من أن العقود الأخيرة في حياته قد شهدت تحولا عن هذه القصيدة الكلاسيكية إلى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر لدرجة أصبحت معها كتابة القصيدة العمودية نوعا من (التزمت الشعري) ـ إذا جاز التعبير ـ لكنه بقي أمينا لأسلوبه الشعري منذ البداية إلى النهاية، على أن هذا الأسلوب لم يقف عقبة بين الشاعر وبين السعي إلى التنوع والتطوير والتميز خلال تجربته الشعرية التي امتدت لأكثر من ثمانين سنة.
سيرة مختصرة :
وُلد محمد مهدي الجواهري في النجف سنة 1901 م. درس في المدرسة العلوية، ثم أخذ علوم اللغة والأدب عن كبار مشايخ المدينة، ونبغ في الشعر مبكراً، وبدأ بنشر قصائده في بغداد منذ سنة 1921م، وفي سنة 1923 نشر أول ديوان له وهو "حلبة الأدب" الذي تضمن معارضات لقصائد متنوعة لعدد من كبار الشعراء.
انتقل الجواهري إلى بغداد سنة 1927، فعيّن معلماً في بعض المدارس الابتدائية، وفي هذه الفترة حدثت مشكلته المشهورة مع ساطع الحصري مدير المعارف العام، آنذاك، إثر نشر قصيدة له ذمّ فيها العراق ومدح إيران، فاتهم بـ "الشعوبية"، وفصل من وظيفته، ولكن وزير المعارف، الذي كان يلتزم جانبه، توسط في تعيينه بوظيفة كاتب في البلاط الملكـي. وبعد ثلاث سـنوات استقال الجواهري من الوظيفة وأصدر جريدة "الفرات" في سنة 1930 م، ثم أُعيد إلى التعليم في أواخر السنة التالية ثم نقل إلى وظيفة في ديوان وزارة المعارف، فمدرساً في إحدى المدارس الثانوية.
استقال الجواهري من التدريس نهائياً في سنة 1936، واتهم بنشر قصيدة سياسية في جريدة "الإصلاح" عرّض فيها بوزارة ياسين الهاشمي، فارتأى وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني إحالة الجواهري إلى المجلس العرفي العسكري، إلا أن رئيس الوزراء ياسين الهاشمي، بما اتصف به من سـعة الصدر والحلم، لم يوافق على ذلك فاستدعى الجواهري، ووعده بأن يرشحه لإحدى النيابات الشاغرة عن لواء كربلاء وقبل أن يتم ذلك وقع انقلاب بكر صدقي ـ حكمت سليمان الذي أسقط وزارة ياسين الهاشمي، فسارع الجواهري إلى تأييده وأصدر جريدة اسـمها "الانقلاب" أيّد على صفحاتها وزارة حكمت سليمان ومدح رئيسها وهاجم وزارة ياسـين الهاشمي، ولكن وزارة الانقلاب استغلت بعض ما نشره في جريدته فأحالته إلى المحاكم وصدر الحكم عليه بالسجن بضعة أشـهر. وبعد خروج الجواهري من السجن اختار لجريدته اسماً جديداً هو "الرأي العام".
وأيّد الجواهري حركة آذار (مارس) 1941 المعروفة بحركة رشيد عالي الكيلاني، فلما فشلت الحركة سافر إلى إيران ثم عاد في السنة نفسها واستأنف إصدار "الرأي العام" ونهج فيها نهجاً يسارياً واضحاً. وفي سنة 1946 أصدر الجواهري جريدة باسم "صدى الدستور"، وانتخب نائباً عن كربلاء، ولكن المجلس لم يدم طويلاً وحلّ في سنة 1948، وفي تلك السنة سافر إلى لندن ضمن وفد صحافي عراقي وانفصل عن الوفد وبقي في لندن مدة ثم سافر إلى باريس ومنها إلى مصر ثم عاد إلى بغداد فحرر في بعض صحفها، واعتقل في سنة 1952 وأصدر بعد ذلك جريدة اسمها "الجديد" في أيار (مايو) 1953 ثم غادر العراق إلى دمشق في سنة 1956 فاتخذها سـكناً وعمل في صحافتها.
وعاد الجواهري إلى بغداد في تموز سنة 1957 وفي السنة التالية وقع الانقلاب العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم فتحمس له الجواهري وأيده بشعره، وأعاد إصدار "الرأي العام" وانحاز إلى اليساريين وساير الشـيوعيين وانتخب رئيساً لاتحاد الأدباء ونقيباً للصحافيين. وفي سنة 1961 سافر إلى تشيكوسلوفاكيا وأقام في عاصمتها، براغ، سبعة أعوام عاد بعدها إلى بغداد في سنة 1968 فأُعيد انتخابه رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين وظل بعدها متنقلا إلى أن توفي في أواخر القرن المنصرم في دمشق حيث عاش سنواته الأخيرة فيها، ليسدل الستار، برحيله، على أسطورة شعرية لم تعرف المهادنة يوما في الشعر وفي الحياة.
الجواهري، دراسة ووثائق :
هذه التجربة الطويلة والغنية شكلت فضاء واسعا للنقد، والمراجعة والتقييم من قبل النقاد، والباحثين، ولعل كتاب "الجواهري، دراسة ووثائق"، الصادر عن دار المدى بدمشق، لمؤلفه محمد حسين الاعرجي يندرج ضمن هذا الإطار، إذ يسلط فيه الضوء على هذه التجربة محاولا تبيان السمات الرئيسة في شعر الجواهري عبر رصد للمحطات الأساسية في قصيدة الجواهري التي لم تستقر على حال بل تطورت بشكل تدريجي منذ أول قصيدة وحتى آخرها، ورغم أن الأعرجي يعد واحدا من الأصدقاء المقربين للجواهري ومن المعجبين بشعره إلا انه كتب هذه الدراسة بمعزل عن تلك الصداقة وذلك الإعجاب، فهذه الدراسة كما يقول الأعرجي "هي مواجهة بينه كناقد وبين شعر الجواهري"، وهو يتجنب الاستشهاد بأي رأي قيل في شعر الجواهري رغم اعتماده على مصادر ومراجع كثيرة بيد أنها لا تدخل في باب تقييم شعر الجواهري، نقديا، بقدر ما تضيء بعض الوقائع والأحداث التي ترد في سياق الدراسة.
يختزل الباحث التجربة الطويلة للجواهري من وجهة نظر ذاتية، لكنها ليست منحازة، فهذه النظرة تعتمد على الرؤية الجمالية والنقدية للباحث دون أن تفتقر إلى الأدوات العلمية الرصينة الرامية إلى وضع شعر الجواهري في المختبر النقدي، ومن هنا فإننا نجد في الكتاب الكثير من النقد الصريح لشعر الجواهري وخصوصا في بداياته الشعرية التي لم يجد فيها الأعرجي سوى تمرين لامتلاك ملكة الشعر وتدريب على تطويع اللغة لخياله الشعري، وهو ما يشير إليه الفصل الأول من دراسته الذي اسماه بـ "رياضة القول"، إذ لا يغفل الباحث في هذا الفصل عن ذكر الكثير من الثغرات والأخطاء ونقاط الضعف التي وقع فيها الجواهري كشاعر مبتدئ.
ويظهر الأعرجي في كتابه مدى اعتداد الجواهري بنفسه، وتبرمه من بيئته النجفية المحافظة التي لم تعد تستوعب تطلعاته وطموحه المتضخم الذي يدفع بالشاعر إلى التمرد على التربية الفكرية والدينية التي تلقاها لينحاز إلى الفكر اليساري "وانعكس عنف شخصيته وطموحه السياسي على بناء قصيدته التي جاءت غنية بالانفعالات لا بأناقة الصور، فإذا كان الشعراء الآخرون يبحثون عن جدة الاستعارة المدهشة والتشبيه الغريب، فان الجواهري لم يكن كذلك، فما يقوله الآخرون من وراء ستار التقنية الفنية يقوله الجواهري مباشرة من دون أن يخسر الفن". على أن العراقيين يختلفون في تصنيف الشاعر سياسيا، فبعضهم اعتبره يساريا، وآخرون عدوه ملكيا، وبعضهم قال عنه انه في منزلة بين المنزلتين، فالجواهري "رجل مفاجأة يطيب له التنقل بين المتاريس" كما تقول عنه الناقدة فاطمة المحسن التي تضيف بان الذي يبحث عن تفاصيل سيرة الجواهري الشخصية، "لا يضعه دائما في موقع الطامح إلى رضاء السلطة إلا فترات قصيرة سرعان ما تنتهي به مختصما مع الحاكم، وأكثر أيامه تقربا من الحكومة كانت في عهد عبد الكريم قاسم، تلك التي انتهت به إلى مغادرة العراق في رحلة المنفى الطويلة".
"الجواهري..فارس حلبة الأدب" :
وعلى النقيض من الدراسة السابقة، أصدرت دار المدى بدمشق كتابا جديدا، مؤخرا، بعنوان "الجواهري فارس حلبة الأدب"، وفيه يبدي المؤلف محمد جواد الغبان إعجابا، مبالغا فيه بقصيدة الجواهري، دون أي محاولة لنقدها أو تقييمها بشكل موضوعي. المؤلف محمد جواد الغبّان ينحدر من مدينة النجف نفسها التي ينحدر منها الجواهري. نشأ في أحضان أسرة تهتم بالعلم والفقه وعلوم اللغة، شأن أغلب الأسر النجفية، فقد كان والده عبد الكاظم الغبّان شاعرا، وكذلك خاله محمد علي اليعقوبي، وهو وجد نفسه يميل إلى الشعر أكثر من أي شيء آخر، وقاده هذا الاهتمام إلى إصدار عدة كتب تتعلق بالشعر، وكتابه الأخير "الجواهري..فارس حلبة الأدب" يأتي كنتاج لإعجابه بهذا الشاعر، وصداقته له، وقناعته بان الجواهري، ورغم الدراسات الكثيرة التي صدرت عنه، غير انه لم يأخذ حقه من الاهتمام، فمنجزه الشعري الوافر يحتاج إلى إعادة القراءة بصورة مستمرة.
تشيد الدراسات الكثيرة التي تناولت مسيرة الجواهري، بعبقريته الشعرية كشاعر نجح، من ناحية الأسلوب، في السبك والنظم والقول الجزل المحكم، ونجح، من ناحية المضامين، في مقارعة الاستبداد والقمع والتسلط، ومناصرة المظلومين والبسطاء، ففي كل مناسبة شهدها العراق والعالم العربي على امتداد القرن العشرين كان للجواهري موقف منها يعبر عنه بالشعر، حتى كاد شعره يصبح "ديوان العرب في القرن العشرين".
تندرج دراسة محمد جواد الغبان ضمن هذا الإطار الساعي إلى قراءة تجربة الجواهري الشعرية، وما يميز هذه الدراسة هي أنها، وفي جزء كبير منها، تنطلق من تجربة ذاتية شخصية، لا من المصادر والمراجع ونظريات النقد الأدبي، فالغبان كان على صلة وثيقة بالجواهري، وهذه الصلة أتاحت له أن يوثق هنا الكثير من الذكريات التي جمعته بالجواهري، ومن خلال قراءة الكتاب نكتشف، دون عناء، أن الغبان كان متابعا لتجربة الجواهري منذ بدايتها الأولى في النجف، وحتى رحيله في دمشق أواخر التسعينيات، ولئن فرّقت بينهما الأيام، بسبب مغادرة الجواهري العراق في نهاية السبعينيات، غير أن الغبان بقي على تواصل مع صديقه، وكان مهتما بكل ما يخطه الجواهري، وهذا الاهتمام اللافت وفّر له مادة توثيقية أغنى بها كتابه، ومهد له أرضية خصبة كي يغوص في العالم الشعري للجواهري، فارس حلبة الأدب بحسب وصف الشاعر له.
يصغي الغبان في هذا الكتاب إلى أصداء الماضي، وهو يفتح دفاتر الذاكرة المتدفقة فيعود إلى سنوات الخمسينيات، والستينيات حين كان رفيقا ملازما للجواهري في سهراته مع الشعراء والأصدقاء في بغداد، ويدرج في الكتاب جانبا من تلك الجلسات واللقاءات التي كانت تتمحور حول الشعر والفنون والفكر، وهو إذ يعود إلى تلك السنوات الحافلة بالتحولات السياسية الجذرية، والإرهاصات الفكرية الحديثة، فانه يشير إلى "أن الجواهري متواضع إلى ابعد حدود التواضع، في مجالسه مع جلسائه، حتى مع المبتدئين والشداة من الحاضرين، ليس في حديثه تعال، وليس في سلوكه كبرياء، وليس في نفسه غرور، بل أنك لابد أن تلاحظ حين تجالسه، أنك أمام إنسان عادي لا يميزه شيء عن الحاضرين، مع أنه العملاق العظيم الذي يتميز بكل شيء، فحيثما جالسته فانك تجالس ذلك الإنسان الوديع، الهادئ المزاج والطباع، الرقيق النبرات والتعبيرات والملامح، يجلس معك على سجيته، ويتحدث معك ببساطة وعفوية، ويستمع إليك على السجية من غير ما تصنع أو تكلف"، ويلاحظ الغبان بان الجواهري "كان يمتلك حافظة عجيبة ونادرة ومذهلة، فهو يحفظ عن ظهر قلب عشرات القصائد، ومئات المقاطع، وآلاف الأبيات من الشواهد والنوادر والأمثال".
واللافت في الدراسة هو أن الغبان يصر في معظم صفحات الكتاب على تشبيه الجواهري بالمتنبي، فكلاهما ـ على حد قناعته ـ "ملأ الدنيا وشغل الناس"، ولعل اكثر جوانب الشبه بين الشاعرين الكبيرين ـ كما يرى الغبان ـ يتمثل في مسألة الاعتداد بالنفس، والانا المفرطة لديهما، والقلق الذي كان يغلي في دواخلهما، والطموح الذي لا يعرف الحدود الذي كان يقودهما نحو العظمة والتمرد والتفوق، ويحاول الغبان إيراد شواهد من قصائد الشاعرين كي يثبت وجهة نظره هذه، وهو يشير في هذا السياق إلى فرضية لم يشر إليها أحد من قبل، فيقول ان الجواهري ظهر بعد المتنبي بألف عام، ويستنتج ان شعراء عظاماً من مستوى المتنبي والجواهري لا يظهرون إلا كل ألف عام، ثم يتساءل: هل سيحتاج الأمر لألف عام كي يظهر شاعر عربي بقامة الجواهري أو بقامة المتنبي.
تطغى على الدراسة تلك النبرة الوجدانية المؤثرة، فالغبان لا يستطيع التجرد من عاطفته الشخصية، ولا يستطيع نسيان صداقته مع الجواهري، فهو ينطلق من هذه الأرضية ليرسم صورة ناصعة نظيفة، متألقة للجواهري إذ يمدحه بلا حدود، ويوجه له كلمات الإطراء دون حساب، ولئن كان هذا الإطراء، وذاك المديح دقيقا، ويليق بشاعر كالجواهري، إلا أن تكراره، والإصرار عليه ينأى بالدراسة، قليلا، عن الجانب النقدي، ففي جميع صفحات الكتاب لا نسمع رأيا ينتقص قليلا من مكانة الجواهري، فكل ما يكتب يكون مدحا بسخاء يعبر عنه العنوان: "الجواهري…فارس حلبة الأدب"، ويكرس هذا الوصف عبر صفحات الكتاب.
لا أحد، بالطبع، له الحق في أن يصادر رأي المؤلف تجاه الجواهري وشعره، ولكن هذه النبرة المبالغة في المدح تضعف قليلا منهجه النقدي، وتخلق انطباعا بان الغبان أراد من وراء هذا الكتاب أن يرسم صورة للجواهري لا تشوبها شائبة، وهو نجح في ذلك إلى حد بعيد لكن كان في مقدوره أن يشير كذلك إلى بعض مواقع الخلل في بعض القصائد لدى الجواهري أو على الأقل في بعض الأبيات التي نراها عادية، والتي أشار اليها الأعرجي في دراسته. وبمعزل عن إطلاق الأحكام الحاسمة، فان الرأي الموضوعي يقول ان الجواهري واحد من ألمع الشعراء العرب، وهو دافع عن قصيدة العمود في وقت كان المزاج الشعري يميل نحو شعر التفعيلة والنثر، ولئن استطاع هذا الشاعر أن يهز وجدان القارئ العربي بشعره العمودي فان هذا يؤكد بان السجال القائم بين من يدافع عن الشعر العمودي، وبين من يدافع عن قصيدة النثر ما هو إلا سجال مجاني، عقيم، فمقياس الشعر هو الإبداع لا التصنيفات الشكلية التي تؤطره ضمن هذا القالب أو ذاك.
كتاب الغبان بهذا المعنى هو بمثابة تحية حارة لشاعر استطاع أن يرسم بالقصيدة مسار الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية في العراق والعالم العربي خلال القرن العشرين، ولعل الغبان لا ينكر هذا المنحى الاحتفائي لكتابه، بل هو يؤكد على هذا المنحى إذ يدرج في نهاية الكتاب قصيدة مؤلفة من مئة بيت كتبها الغبان كرثائية للشاعر الكبير والصديق الوفي الجواهري، وهو يتساءل، بحرقة، في مطلع قصيدته مخاطبا الجواهري: أترى لواء الشعر بعدك يخفق / ويجيء من يسمو به، ويحلِّق. ولعل مطلع القصيدة، هذا، يختزل فحوى الدراسة التي تناولت شعر الجواهري من زاوية خاصة قريبة جدا من قصيدة الجواهري، وصادقة في مقاربة عوالم أحد أعمدة الشعر العربي الذي لم يستطع أحد ترويضه سوى الموت.
المصدر : المدى الثقافية http://www.almadapaper.com