يا نديمي .

يا نديمي إنَّ الوُجود طبيعهْ
حسناً كان أم هناةً شنيعهْ (154)

إن كوناً للعاطفاتِ صنيعه
واجدٌ فيه كلُّ إثم شفيعَه (155)

يسبِق الطبعُ حكمةً وشريعه
مثلَما يسبِق المجلّي تبيعَه

ثم تأتي روادعُ الزَّجرِ

كلجامٍ يقي من الخطر

* * *

غير أنَ اللجام كان اصطناعا
وعَصوفَ الرياحِ عفواً طباعا

فإذا صادفت خيولٌ يَفاعا
أوتدهدتْ إلى الحضيض سِراعا (156)

كَسَرت شوكةَ اللجام اندفاعا
وكذاك الطباعُ تأبى انصياعا

حين تهوي لمزلِّقٍ خَطِرِ

لنواهي نهيٍ ومُزدجَر

* * *

يا نديمي: إنَّ الجْمالَ متاعُ
وحياةٌ بلا متاعٍ جحيمُ

ليت هذا النِصْفَ اللطيفَ اقتراع
لا كظيظٌ منه ولا محروم (157)

ظُلِمَ الشرقُ عند شرقٍ جياع
كضباعٍ وعند غربٍ حريمُ

يا نديمي وهكذا سيدومُ

في صراعٍ مع الشقاءِ النعيمُ

* * *

يا نديمي: وأمسِ خمسٌ كعابِ
كاشفاتِ الصدورِ واللَّباتِ (158)

حول فردٍ جُمّعن كالأنصاب
لِصقَ خمس كالهيمِ في الفلوات (159)

كعِطاشٍ إلى عتيقِ شَراب
أُلزِموا بالصيام والصَلوات

فهمُ يلعقون في الخلوات

ما لدى غيرِهم من الصَّبَوات !!

* * *

يا نديمي: وأمسِ غِبَّ كرى
عانَقَ النفعُ خصمَه الضررا (160)

والتقى ناحرٌ ومن نحرا
فأجدّا مآسياً أُخَرا

ربَّ دمعٍ من مُقلتين جرى
كان فيه الربيحُ من خسِرا

والربيحُ الجزّارُ في خُسُرِ

دِيَةُ النصرِ دمعُ منتصِر

* * *

يا نديمي: وأمسِ في الحُلُمِ
لاح لي طيفُ غامسٍ بدمِ

عارياً غيرَ حُلَّةِ الندم
وقميصِ السَّقام والألم

قذفَتْهُ إليَّ من أَمَم
غابةٌ مكتظَّةُ الأجَم (161)

يتحدّى بالنابِ والظُفُرِ

شِرعةَ الثاوين في الحفر

* * *

كان مِسخاً .. مما اصطلى وجنى
وبما سام غيرَه الحَزنَا

كان بؤساً ومأتماً قُرِنا
فهمنا يبغِيانِه ثمنا

كان يُلِقى ضميرَه العِفنا
يأكل الروحَ منه والبدنا

يا نديمي: وهان ذو خَطَرِ

وتساوى والدودَ في الحُفَر (162)

* * *

يا نديمي: عَوَت ذئابُ الكلامِ
حين شمّتْ قُتارةً من ثريدِ (163)

حلَّلت ما على خِوانِ اللئام
شرطَ أن يُشتوى "بفُرنٍ" جديد

طلبت من طُهاةٍ أشقى نظام
أنْ يُعدّوا خِوانَ عهد سعيد !

طمعاً باقتطاع لحم الزُّنودِ

أُسوةً منهمُ بكل العهودِ


(154) الهناة: القبح والنقيصة.
(155) العاطفات: الأهواء.
(156) اليفاع: التل، ما ارتفع من الأرض وتدهدى وتدهده: تدحرج.
(157) الكظيظ: المتخم.
(158) كعاب: يريد الجمع أي كواعب، اللبات: جمع لبة، وهي موضع القلادة من الرقبة.
(159) الأنصاب: جمع النصب وهو التمثال، الهيم: جمع هيمان وهو العطشان. يريد أن رجلاً واحداً حوله خمس نساء يجاوره خمسة رجال دون امرأة.
(160) غب: بعدَ.
(161) أمم: قرب، الأجم: جمع أجمة أي غابة وهو – هنا – يريد الأشجار.
(162) ذو الخطر: العظيم.
(163) القتارة: الرائحة.