المستنصرية .

لك الخير إن الشعرَ كالنبع سَلسَلاً
إذا فاضَ منه جدولٌ يتشعَّب

مشتْ بيَ (ستّونٌ) وماذا وراءها
سِوى الموتِ يبغي أجنفَ الخطوِ أشيَب

كأنيَ فيهنَّ ابنُ يوم فلم يكُنْ
سِوى يومِ تمّوز من العُمْر يُحسب

أقول لضلِّيلٍ يَكُنُّ نهاره
غباء. وأما في العَشِيِّ فيحطِب

لكَ الويلُ لا يحلِبْك ضرعاً مطاوعاً
خَؤونٌ ولم يمدُدْك جسرا مُخرِّب

ولا يرتخِصْ منك الضميرَ ولا يَلَغْ
بنفسك نابٌ أجنبي ومِخلَب (2)

لك الويل إني رائدٌ جاء قومَه
بصدقٍ. وغيري من يَرودُ ويكذب

لك الويل ماذا كنتَ تحلُمُ قبلَها
بأكثر مما أنتَ فيه وتطلب

أيسعَى عزيز أن يُذَلَّ وأهلُه
وأن يتغشَّاهم بعيدٌ مُجنَّب

أهمُّ رخيِّ أن يُصوّحَ مَرتَعٌ
ووارد رِفَهٍ أنْ يُرنَّق مَشرَب (3)

* * *

أبا كلِّ حرٍّ لي إليكَ شفاعة
فهل أنا ذيّاك الشفيعُ المقرَّب

أجل إن شهماً للقلوب محببا
يناغيه شعر للقلوب محبب

وأنت الفتى لم تدر من شَعَثٍ به
يَلُمُّ وأنت الأريحيُّ المهذَّب (4)

هنا لك فيما بين مثوىً وآخرٍ
شبابٌ عن الأفراح في العيدِ غُيَّب

بنوك الذين استرخَصوا مُهجَاتِهم
وفدَّوكَ منهم بالنفوسِ وذَوَّبوا

وخاطُوا عليك الجَفنَ خوفاً من الأذى
إليك على أهدابها يتسرَّب

حنانَيك لا تغضب عليهم بظِنةٍ
فَللْموتُ من سُخْط المحبين أطيَب

حنانيك هبْ غطَّى على الحق غيْهَبُ
فهل فَلَقُ الإصباح يمحى ويُشْطَب (5)

أيُلْغَى فريقٌ في المباراة أوّلٌ
ويحوي فريقاً سيِّيء الحظ ملعب

أزلْ سخطةً عنهم فأنتَ لهم ابٌ
وحسبُك تأديباً ونِعْمَ المؤدِّبِ

* * *

وقالوا حجابٌ بين شعبٍ وبينه
فقلت فهل كونٌ بسترٍ يُحجَّب

وربُّك أدرَى بالذي ظَنَّ أحمَقٌ
سَنَى الشعبَ يخفَى أم سناك يُغَيَّب ؟

أبا كلِّ حرٍّ وابن كل كريمة
تمخَضُّ عن حُرٍّ كريم وتُنجب

خذِ الشعبَ درعاً واتَّشحْه مهنَّدا
فللشعْبِ يا بنَ الشعبِ أدنى وأقرَب (6)

حنانيكَ إنّا ساعدٌ حين تضربُ
وغضبتُك الحمراء إيان تغضب

ضلوعك من أضلاعنا، كلُّ شَظْيَةٍ
بها من شظايا أمةٍ تتَشعَّب

وأرواحنا سالت وروحك فالتَقَت
كما انصَبَّ في الأرض الكريمة صيِّب (7)

نوقِّفُ أدنَى الغايتَين استجابةٌ
وتذهب أقصى ما ترومُ وتذهَب

ونصبرُ حتى ينزَحَ اللؤمَ كائدٌ
ونحلُمُ حتى يقرَع الكذبَ أكذب

ويكفي بأن نطوي عليه تيقنا
بأن خبايا طَيِّه ستجرَّب

وعلماً بأنْ لابدَّ يخبرُ أيَّنا
يجِدُّ وأياً في الملِّمات يلعَب

* * *

أبا الشعب لا أُخفيك بثّاً يهزُّني
وما أنا للخل الصريح مُروِّب (8)

تسرَّب همسٌ أن فَقْعاً بقرْقَرٍ
يُعيد شِراكاً للهزبر وينصب (9)

وأن الذي خلف الحدود يمده
كلصٍّ يجوسُ البيتَ ليلاً ويهرُب

أبا الشعب لا يتعبْ خؤون مغامر
فخلفكَ شعبٌ للخؤونين مُتعِب

سل الشعبَ زحفاً تدر كيف زُحوفُه
وبذلاً تجد أرواحَه كيف توهَب

ستهوي رؤوسٌ ما اشتكى منك إصبَعٌ
وتُلوَى رقابٌ ما التوى منكَ منكِب

ويلتاث نهر من دماءٍ خبيثةٍ
على قطرةٍ في ذمة الله تُسكب

فقل لهم يأووا ضِباباً لأجحُرٍ
ورباتِ خدرٍ فالخباء مُطَنَّب (10)

وعُمَّرت عُمرَ الشعب يهديكَ ما حوَى
من العمر لو تُحصى السنونَ وتُحسَب


(2) الناب: بمعنى السن مؤنثة، والشاعر هنا يريد الأجنبي.
(3) الرفهُ: أن تشرب الإبل الماء متى شاءت. يرنق: يكدر.
(4) الشعث: ( بفتحتين ) السوء والعيب.
(5) فلق الإصباح: عمود الفجر.
(6) اتشحه: ألبسه وشاحاً، وللسيف احمله.
(7) الصيِّب: المطر.
(8) مروّب: غاشّ.
(9) الفقع: الكمأة. وقرقر: اسم موضع، وفقع بقرقر كناية عن مخلوق ضعيف بعينه.
(10) الضباب: جمع ضب.