أنتم فكري.

أنتم فكري ..
* ألقاها في الأول من تشرين الثاني عام 1961بقاعة كارولينوم في برغ بمناسبة الذكرى الخاسة عشرة لتأسيس الاتحاد الطلابي العالمي.
‏‎* نشر قسم منها في جريدة "صوت الأحرار" العدد 949 في 25 تشرين الثاني 1961.
* نشرت ، كاملة في "بريد الغربة".

أنتمُ فكرتي ،ومنكمْ نشيدِي
وبكم يستقيمُ لحني وعُودي

أنا طيرُ الصّباح يُزعجني الليلُ
ويحلو بسَحْرةٍ تغريدي

ربَّ ليلٍ سهِرتُه أرقثبُ النجم
بعين المدلَّهِ المعمود (1)

كلَّما مرَّتِ الهمومُ على أعقاب
أخرى، أعدتُها من جديد

أتحرَّى بؤسَ الملايينِ ضيمت
برُواقَيْ جَناحِهِ الممدود

كنتُمُ فجرَه المرجَّى وكانت
من تباشيرِكُمْ عثيونُ قصيدي

* * *

يا شبابَ الدُنا، ويا روعةَ الدهرِ
ويا رونقَ النظامِ الجديد

يا لئالي الغواصِ من كلِّ فجٍ
جُمِعتْ في نظام عِقدٍ فريد

يا عتادَ الشُّعوب إذ يتباهى
كلُّ شعبٍ بعدَّةٍ وعديد

يا مُجيلي خيلَ البُطولات تُزهى
كلَّ يومٍ بفارسٍ صنديد

أنا منكم وإن تثلَّم خدي
بغضونٍ تثلُّمَ الأخدود (2)

من شُواظٍ دمي مدى الدهرِ يغلي
إذ لداتي دماؤهم من جليد (3)

أنا " كالهُدهُد " أستدلَّ على الماءِ
ومنَّى الظامي بعذب الورود (4)

ذاك أنِّي حلَمت قبلَ عهودِ
وبوحيٍ من الخيال الشَرود

بالسنا دافقاً من الشرق يمحو
ظلمةَ الليل عن شُعوب رُقود

* * *

خالدٌ يومُكم، وكم قد دفعتم
ثمناً غالياً لهذا الخلود

أيُّ يوم لأيُّ جيلٍ، إلى أيِّ
المساعي يسعى، بأيِّ صَعيد

عزمةٌ من جهنمٍ، وانعطافٌ
من نسيمٍ، وقبضةٌ من حديد

لكم التضحياتُ بين طريفٍ
بدمٍ ناقعٍ، وبينَ تليد

وعلى هذه الكواهل يُلقى
عبءُ مستقبلٍ رضيِّ سعيد

غير أنَّ الجهود يكمُلْنَ حسناً
بادّكارٍ لسالفات العهود

قبلَ خمسينَ أين كنَّا وأين
الآن أنتم، يا لَلمَقاسِ البعيد

اذكروا كم يدٍ لما تنعَمون
اليوم كانت لآلِكم والجُدود

كم مَضَوا يرقُبون نجماً وفجراً
في ليالي الشرقِ الطوالِ السُّود

كم تلوَّوا من أجلكم في قُيودِ
وَلَووا في سبيلكمْ من قُيود

كم قلوبٍ تحرَّقت وجُلودِ
وقلوبٍ تململت في جُلود

كم تُلولٍ من الرِّقابِ ضِخامٍ
وركامٍ من العِظام نضيد

اذكروا تلكمُ المواكبَ ذابتْ
من حوَاليْ جمرِ الكفاح العنيد

كلظَّى كلَّما حمْت بوَقودِ
اِستطارت تقول: هل من مَزيد (5)

كم تعرَّت على رياح خريفٍ
للرزايا أوراق دَوْحٍ خضيد (6)

عند صبحِ الأحرارِ دَيْنٌ لِزامٌ
طوقَ أعناقِهمْ لليلِ العبيد

* * *

كم طريقٍ معبَّدٍ بدماءٍ
لشهيدٍ على عظام شهيد

كم رؤوسٍ هوت لرأسٍ شَموخٍ
ونُفوسٍ شقت لأجل سعيد (7)

كم كؤوسٍ من الدُّموع أُذيلت
نخبَاً مُلَفاً لغرَّة عيد (8)

ربَّ مليونِ جُثَّةٍ في نُعوشٍ
من بُطونِ الوحوش عَبر البيد

كُنَّ مَهراً حراً، كريماً، عزيزاً
لنُعوشٍ تكلَلت بالورود


(1) المعمود: الذي أضناه الحب.
(2) الأخدود: شق في الأرض.
(3) الشواظ: اللهب، لداتي: أقراني.
(4) من خصائص الهدهد التعرف على موارد المياه المجهولة. وأراد بمنّى: بشّر.
(5) حمت: حميت.
(6) الدوح: الشجر، خضيد: مكسَّر.
(7) شقت: شقيت.
(8) أذيلت: أهينت.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م