من دفتر الغربة (أيه شباب الرافدين)

من دفتر الغربة ..(أيه شباب الرافدين)…
* نظم الشاعر قسماً منها عام 1961 في براغ، وأكملها أواخر عام 1972 وأوائل عام 1973 في بغداد.
* نشرت في جريدة " الثورة " العدد 1374 في 15 شباط 1973.

ضموا صفوفَكُمُ ولمُوّا
مجداً إلى مجد يُضَمُّ

وتكاتَفُوا ينهضْ بكم
جَبَلٌ يلاذ به أشمّ

يا غادياً لسُفوح دجلة
حيثُ طينتُها تُشَم

حيث الضفافُ بكوثَرٍ
عِطر قُراح تَستَحم

وإذِ النسيمُ يشُفُّه
من ناعم اللَّمَسات سُقم

وإذِ الظِلالُ من الغُصو
ن كعاشقٍ حذرٍ يهُمّ

فيؤمُّ يلثَمُ خدَّها
فيصدُهُ موجٌ يؤُمّ

مني إليك رسالةً
عن لاعجٍ ضَرَمٍ تنُمّ

قف بين "دجلةَ" و "الفرا
ت" وصِحْ ليسمعَكَ الأصمّ:

إيهٍ شبابَ الرافدّي
ن وأنتُمُ الشَّرفُ الأتم

يا مُوقِدي سُرُج الدما
ء إذا دجا ليلٌ أغمّ

أنتمْ كرامتُها ومنكم
ما ازدَهَى وافترَّ نجم

فَلَقُ الصباح بجوِّه
ألَقٌ، وبدر دُجاهُ تمّ

فيكم تُنارُ دروبُه
وبكم خُطاه تستتِمّ

ومفجِّري نهرِ العُرو
ق زَكا لها أرَجٌ وطَعْم

خمسونَ في سُوح الجها
د وسوحُها غُنْم وغُرْم (1)

كُنتُم نوابضَها تُشَبُّ
بناركم وبكم تُحَمّ

ومؤمَّلين ضَياعهم
تكْلُّ على وطن ويُتْم

صرعى لمقتطِف الثما
رِ غَداةَ ناضجها يُلَم

* * *

يا فتيةَ الوطن الفتي
أنوفُهم كعُلاء شُمّ

يا من إذا جدَّ البلا
ء يخصُّهم شرٌ يعُمْ

البادئون أُوارَها
منهم، ومنهم من يُتِم (2)

والهارعونَ إلى الصَريخ
وحولَهم صُمٌ وبُكم (3)

" يتفرَّجُون " وأهلُهم
غَرقَى يَجيش بهم خِضَم

فيمَ التفرُّقُ، مِخوَلٌ
في الثأر يرصُدُه مُعِمّ (4)

وتصَعُّدُ النَعَرات يخلُف
زِيرَها المنحوسَ بَمّ (5)

أعلى "المَنَاسِبِ" والعرا
قُ أبٌ لكمْ زاكٍ وأمّ ؟ (6)

يستلُّ ضوءَ نجومِه
طفلٌ ، ومكتهِلٌ وَهِم (7)

وتشدُّهم عُقْبى مصيرٍ
مثل حدٍ السيفِ حَتم

أم للمبادئ وهي ما
ئدةٌ بها عَسَل وسمّ

جُهْدُ المُقِلِّ صِحافُها
والطاعمون بِهنَّ جمّ

يلهو بها المتزعِّمو
نَ وينبري للزعمِ زَعم

يتقاسَمون سِهامَها
كيفٌ يُصرِّفُها وكمّ

متسابقينَ لرهطِهمْ
ستٌ وللجمهُور سَهْم (8)

وموسوسينَ فعندَهم
وَهْمٌ، وخوفُ الوهم وَهْم

يتنفَّجون كأنّهم
ظَفَرٌ بمعركة وحَسْم (9)

حتى إذا حَميَ الوطيس
عَمُوا بساحتِه وصَمُّوا

وتناذَروا فمضارِبٌ
تُطْوى، وأحقِبة تُزَمّ (10)

وارتدَّ في أعناقكم
عبء من التَبِعات ضَخمُ

ومشى الصريخُ يهُزُّكم
يا فتيةَ الوادي هَلُمّوا (11)

غامتْ سماءُ الرافدين
فكلُّ مُسرَجةٍ تَغُمّ

في كلّ بيتٍ فُرقةٌ
وبكلِّ صَفٍ منه ثَلْم

وتَفَصَمّت لحمَ الجَزُورِ
وعقَّ منها الجِذْمَ جِذمُ (12)

واستُرخصَتْ فيه الدما
ء، وأُغلِيتْ نَعَمٌ وبَهْم

فكرٌ يَشَلُّ، وذمّةٌ
يُلوَى بها، وفمٌ يُكَم

وثَوابُ حَرفٍ ناضجٍ
بضميره، قَذْفٌ، وشَتْم

فلكلّ حُرِّ الوجه جَهْمُ
ولكل عَفِّ النفسِ فَدمُ (13)

فمعاصِمُ الأحرار من
عضِّ الحديدِ بهِنَّ وشْم

* * *

يا أيها الصَنَم الحَقو
دُ أأنتَ للتاريخِ خَصْم

لم يبق من جَبَروتِ
"فرعَونٍ" ولا "نِيرونَ" رَسْم (14)

حرفانِ للتاريخ يعتَورانِه
"بئْسٌ". ونِعْم

وبما تَصَرَّف منهما
في الناس تُمدَح، أو تُذَمّ


(1) الغنم والغرم: الربح والخسارة.
(2) الأوار: سعير النار.
(3) الهارعون: أخذها الشاعر من ” هرع ” المبني للمعلوم.
(4) المخول والمعمم: الكريم الأخوال والأعمام.
(5) الزير والبم من أوتار العود ويشير بهما إلى صوتين مختلفي الدرجة.
(6) المناسب: النسب.
(7) الهم بالكسر: الشيخ الهرم.
(8) أراد لرهطهم ستة أسهم وللجمهور سهم واحد.
(9) يتنفجون: يفخرون ويُزهون.
(10) أحقبة: يريد بها حقائب. تُزمّ: تشدُّ للرحيل.
(11) الصريخ: المستصرخ يطلب النجدة.
(12) الجزور: الناقة المذبوحة، والجذم: القطعة.
(13) الفدم: الخسيس والجبان.
(14) الرسم: البقية تدل على الأصل.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السادس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1977م