احمد شوقي .

* ألقاها الشاعر في الحفل التأبيني الذي أقامته الدائرة العربية في المدرسة الأمريكية في بغداد يوم الجمعة 11 تشرين الثاني 1932 . 
* نشرت ، كاملة ، في الكراس الذي أصدرته المدرسة المذكورة ، والذي ضم ما ألقي في ذلك الحفل . 
* نشرت ، كاملة ، في ط35 ، بعنوان : "مناحة الشعر على أمير الشعراء".

طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ
وأصبحَ "شوقي" رهينَ الحُفَرْ

وأُلقِيَ ذاكَ التُّراثُ العظيمُ
لِثقلِ التّراب وضغطِ الحَجر

وجئنا نُعزّي به الحاضرين
كأنْ لم يكنْ أمسِ فيمن حضر

ولم يُنتجِ السُوَرَ الخالداتِ
من المُلحقاتِ بأمِّ السُّوَر

من اللاَّءِ يهتزُّ منها النديُّ
ويُطربُ إيقاعُهُنَّ السَّمر

برغمِ الشُعورِ يشُلُّ البِلى
لسانَكَ أو يعتريكَ الكدَر

وأن يقطعَ الموتُ ذاك النشيدَ
وأن يأكلَ الدودُ ذاكَ الوتَر

وأنَّا نعودُ بنفضِ الأكفِّ
عنكَ وأنتَ العظيمُ الخَطَر(1)

فيا لكِ من عِبرةٍ يُستفزُّ
منها على كثرةٍ في العِبَر ..!

* * *

زمانٌ وفيٌّ بميعادهِ
فظُلماً يقالُ ليالٍ غُدُر

كما يُقْرعُ "الجَرْسُ" للناشئينَ
تأتي إلى الناس منه النُّذُر

ولكن يُريدُ الفتى أنْ يدوم
ولو دامَ سادَ عليه الضجر

ويأبى التنازعُ طولَ البقاء
وتأباهُ بُقْيا نفوسٍ أُخر

وقد يُهلكُ الناسَ فردٌ يعيشُ
حيناً فكيف إذا ما استمر!

فلّلهِ من شارعٍ لم يَعُقْهُ
حكمُ الضرورةِ أو ما ندَر(2)

سواءٌ صليبُ الصفا والزجا
جِ كسراً بكفِّ القضا والقدَر(3)

وبالدهرِ في الناسِ مثلُ الجُنون
فليس يُبالي بمنْ ذا عثر

وحتمٌ على الخفرِ الآنسا
ت والوحش حشرجةُ المْحْتَضَر(4)

تجيءُ إلى الصدرِ تحتَ الحرير
كجيئتها الصدرَ تحتَ الوَبر

وكلُّ الفوارقِ بينَ اللغاتِ
وبينَ الطباعِ وبينَ الأْسَر

سيُوقِفها للردى زائرٌ
ثقيلُ الورودِ بغيضُ الصَّدر

فيا صُفرةَ الموتِ إنَّ الوجوهَ
تَساوى بها صَلَفٌ أو خَفَر


(1) العظيم الخطر : الكبير المنزلة والمكانة .
(2) الشارع : الذي يشرع القوانين ويسنها .
(3) الصفا : الحجر الصلد .
(4) الخفر : الآنسات ، الرقيقات ، الكثيرات الحياء . الحشرجة : غرغرة الموت .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م