الروضة الغناء .

الروضة الغناء ..
* نظمت عام 1922.
* عارض بها قصيدة "علي الشرقي" .. (على الغراف) :
               زهو القصور ونزهة الأرياف
                              غرف مطلات على الغراف
* نشرت في جريدة "العراق" العدد 812 في 18 كانون الثاني 1923 وفي "حلبة الأدب".

نسجَ الربيع لها الرداء الضافي
وَهَمَتْ بها كفُّ الحيا الوكّافِ (1)

فضَّت بها عذراءَ كلِ سحابة
خطرت فنبهتِ الهزار الغافي

قضّى الربيع بها ديون َ مصيفها
من سَح كل مُدرة الأخلاف

الحب ما ضَمِنت ضُلوع سمائها
للأرض لا ما يدعيه الجافي

قلب كما اتَّقدت لظىٍ، جوانحٌ
رَعْدٌ ، وجَفْنٌ دائم التَّذراف

ان الذي قَسم الحظوظَ مواهباً
أعطى الربيع نِقابة الأرياف

وكأنما لبست به أعطافها
حُللا يُوشِّها الَّحاب ضوافي

وكأنما هَزَجُ الرعود إذا حَدّتْ
ركب َ السحاب ، بشائر الألطاف

وكأنما العُشبُ النضير خمائلٌ
ومن الورود لها طِراز وافي

وكأن مياسَّ الغُصون إذا انتشى
غِبَّ السحاب يُعبُّ صِرف سلاف

وكأن مختلف الورود صحائفٌ
فيها تُخط بدائع الأوصاف

وكأن خلاّق الطبيعة شاعرٌ
نَظَمَ الرياض قصائداً بقوافي

وتلبد الجو المغيم كأنه
قُطرٌ عرته سياسة الإجحاف

وكأنما الماء النمير مهند
للمَحْل تصقُله يد الإرهاف

وكأنه سَلَبَ الاصيلَ رداءه
او دسّ قرنَ الشمس في الأجراف (2)

أين الصفي سرائراً وخلائقاً
يحكي لنا لُطْفَ النمير الصافي

مترقرقاً تلقى السماء بأرضه
لو لا خيالُ تشابك الصفصاف

وتخال ان لمعت حَصاهُ لآلئاً
تُجْلى بكف النيْقدِ الصرّاف (3)

ترتد عنه الطير وهي مُليحة
مما عليه من الجلال الطافي

* * *

اوحى النسيم إليه أ عواصفاً
بعدي فأرجف خِشية الإرجاف

واهتاج حتى ود أن ضفافه
سالت فلم يُصبْحْ رهين ضفاف

ليت الذي قاد الزعازع ردّها
عن مثل هذا الجوهرِ الشفاف

* * *

الروضةُ الغناء مفرشُ لذتي
حيثُ الخيالُ مطَّرزُ الأفواف (4)

تتساند الاعشاب في جَنَباتها
فترى القويَّ يَشُدُّ إزر ضعاف

باكرتُها والنجمُ متقدُ السنا
لِهثٌ وقد ضرب الدجى بسِجاف

والطيرُ يكتُم نطقه متحذراً
خوف انتباه الصبح للأسداف (5)

حتى إذا ما الفجر حان نشوره
وسطا الصباح بجيشه الزحاف

خلعت عليه ذُكا ملاءة نورها
فتباشرت منها ربّى وفيافي

فاخذت انشدها وعندي هاجس
أخذ الهمومَ عليَّ من اطرافي

لو شاء من ضم الأزاهر لم تكن
لتعيثَ في الأكوان كف خلاف

وِلِما تزاحمت القوى وتهافتت
منها سِمانٌ لانتهاك عجاف

متكالبين كأنَّ رب لغاتهم
ماخط فيها لفظة الإنصاف

لو أن ألقاب الورى في قبضتي
حلَّ الوضيعُ محَلَّة الأشراف

لو كان في مال الغنىِّ لمعوزٍ
حق لسادت عيشه بكفاف (6)

يسمو الغني على المُقل وعنده
ان الثراء قوادم وخوافي

عاثوا بشمل الاجتماع فحبذا
يومٌ يَعيث القصد بالإسراف (7)

خير من الأشر الضنين صعالك
لا يسألون الناس بالألحاف (8)

لِتبَجلِّ الناس الغنيَّ فانني
كلفٌ بتبجيل الفقير العافي (9)


(1) الحيا الوكاف : المطر الغزير .
(2) ادوس : في الأصل ، أو غاب .
(3) لآلئا : في الأصل دراهما .
(4) مطرز الأفواف : الثوب المطرز .
(5) الأسداف : جمع سدف وهي الظلمة .
(6) الكفاف : المساواة .
(7) القصد : العدل .
(8) الأشر : في الأصل المثري .
(9) كلف بـ : في الأصل ساع لـ .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الأول-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م