يا فراتي .

* نشرت في مجلة "العرافان" الجزء الخامس ، من المجلد التاسع آذار 1924.

إي وعيشٍ مضى عليك بَهيِّ
وشُعاعٍ من شّطِكِ الذهبيِّ

والتفافِ النَّخيل حولَكَ حتَّى
لو تقصَّيْتَ لم تجدْ غيرَ في

وانبساطِ السَّفْحِ الذَّي زاحمته
دَفَعاتٌ من مَوجكَ الثَّوْري

وسنا الشَّمس حين مجَّتْ لُعاباً
ارسلته من نورها الكسروي

فتخالُ الضياءَ والماءُ موجٌ
في رواحٍ من جانبٍ ومجي

كخيوطٍ من فضَّةٍ بتْنَ طوع الرّ
يح بين الشمال والشرقي

وابتسام البدرِ المطلِّ إذا ما
بات يجلو الدُّجى بوجهٍ وَضي

وزمانٍ حلوٍ كطلِّ ندّيٍ
لم يَشُبْهُ صفوُ السَّماء بشي

لو تحولْتَ عن مجاريك أو
حُلت لما جئتَ بالنكير الفري

* * * 

يا فُراتي وهل يُحاكيك نهرٌ
في جمالِ الضُحى وبردِ العَشِي

ملكتْ جانبيك عُرْبٌ أضاعوا
إذ أضاعوا حِماكَ عهدَ قُصي

نضجتْ بالصَّغار منهم جلودٌ
ولقد تنضج الجلودُ بِكَي

إي ومجرى الجيادِ يومَ التنّاَدي
ومجرِّ الرماح حول الندي

دنَّسَتْ طُهْرَكَ المطامعُ حتَّى
لم تَعُدْ تَنْقَعُ الغليلَ برِيِ

الخَنى ..أين عنه نفسُ أبيّ
والحِمىَ.. أن عنه طَرْفُ الحَمِي

لا القنا يومَ تنثني لِمَذَبٍ
عن حريم ٍ ، ولا الظبى لكمي

آه ..لولا خِصبُ العراق وريفٌ
هو لولاه لم يكن بمرِي

ما استجاشتْ له المطامعُ
والتفَّتْ عليه من المَحَلِّ القَصِي

واستخفَّتْ به الشعوبُ ، وباتَتْ
وهي ترنو له بلحظٍ خفيّ

قد نطقنا حتَّى رُمينا بهُجْرٍ
وسكتنا حتَّى اتُهِمنا بِعي

ورضِينا حُكْمَ الزَّمانِ وما
كانَ احتكامُ الزمانِ بالمَرْضي

فإذا كلُّ يومِنا مثلُ أمسٍ
وإذا كلُّ رُشدنا مثلُ غَي 

وعلمنا انْ ليس نملكُ أمراً
فصبرنا على احتكام " الوصي !"


المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الأول-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية