كم ببغداد ألاعيب .

كم ببغداد ألاعيب ؟..
* نظمت في دمشق عام 1957.
* نشرت في جريدة "الصرخة" السورية.

كم ببغدادَ ألاعيبُ
و أساطيرٌ أعاجيبُ

وأساطينٌ إذا امتُحنوا
فمهازيلٌ مَناخيبُ

و " تهاويلٌ " يدَان لها
طَوْعَ ما تُومي حَواجيبُ

وعلوجٌ في بُلُهْنِيَّةٍ
في خناها يعبَقُ الطيبُ

سُرُرٌ من فَوقها بَقَرٌ
بسبيكِ التِّبْرِ مَعصوبُ

وبهيمٌ من دَمٍ سَربٍ
طُلَّ .. مَطعومٌ فمربوبُ

مَدَّ سُحتٌ من غَباغِبهِ
وغَذَاها الإثمُ والحوبُ (1)

ولوى من عِطْفِه بَذَخٌ
من سوادٍ جاع مغصوبُ

كذَب التاريخُ لا عَرَبٌ
إنَّهم، لا بُدَّ ، تعريبُ

أو فأعرافٌ وأنعِمةٌ
ومروءاتٌ أكاذيبُ

* * *

خَزِيَتْ بغدادُ من بَلَدٍ
كلُّ شيءٍ فيه مقلوبُ

فَلَقُ الاصباح غِربيبُ
ونعيق البوم تَشبيبُ (2)

والخَنَا غُنْمٌ ومَحْمَدَةٌ
والنُهَى جَلْدٌ وتَعذيبُ

وبُيوتُ الفِسْق عامِرةٌ
وعَرين اللَّيثِ منهوبُ

ورجالٌ كالرجال لِحىً
وشَباب قُنَّعٌ شيبُ

خَزِيتْ بغدادُ تعرُكُها
من ضِباعٍ جوَّعٌ نيبُ

خَلَدت ألْفاً يُلقِّنُها
الذُلُّ محسوبٌ ومنسُوبُ

وتفاريقٌ ومُسْتَبأ
من فِجاج الأرض مجلوبُ

وسَراةٌ جُلُّ مجدهم
خُلَّبٌ .. ضَحْيانُ .. مكذوبُ

عاثَ رِجْسٌ في محارِمها
وتولَّى رَعْيَها ذيبُ

ضَلَّ واستخذَى له نَقَدٌ
بالحُطامِ الدون مسحوبُ (3)

كل مَخضودِ السِّبالِ به
من سِجال الذُلِّ شُؤبوبُ (4)

ما بهم عُري النفوس إذا
خُضِبَتْ منهم عَراقيبُ (5)

وإذا رَفَّت على طَبَعٍ
وعلى لُؤمٍ جَلابيبُ (6)

* * *

كم ببغداد ألاعيبُ
وأضاحيكٌ أخاشيبُ

وعضاريطٌ .. مَرازبةٌ
ويرابيعٌ .. يَعاسيبُ (7)

كل مَنخوسٍ ومَشفِرُه
بيد الأطماع مثقوبُ

ودُمىً للأجنبيِّ بِها
خَبَبٌ حُلو وتَقريبُ

شُدَّ خيط في مخاصرها
فهو للترفيه مجدوبُ

و "وزاراتٌ" يلَمُّ لها
ريثَ تستشفي مَجاذيبُ

كِسَرٌ ضُمَّتْ على عَجلٍ
ثم سَوْنها تراكيب

ونُفاياتٌ تحفُّ بها
من نُفاياتٍ أصاحيبُ

وغَباواتٌ يُتاح لها
من غباواتٍ أطابيبُ

و "دساتيرٌ" مُمَخْرَقَةٌ
عشعشَتْ فيها العناكيبُ

وسياسياتٌ ملفَّقَةٌ
وزعاماتٌ أساليبُ

دون أجنادٍ .. كما جُليت
من زناديقٍ مَحاريبُ

* * *

خَزيتْ بغدادُ .. حَنَّكَها
في المذلاّتِ التجَاريبُ

دهرُها متلولة .. ولها
بيد البلوى تَلابيبُ (8)

" الفرات " العَذْبُ لوَّثَهُ
إنه بالذُّلِ مقطوب

هَطَعَت صِيدُ الرقاب به
وهَوَت تلك الأهَاضيب (9)

وخَبَا في أي مختَبَطٍ
قَبَسٌ غيرانُ مَشبوبُ

ومَشَى في دجلة خَنِثٌ
لم تَعوِّدْه الرعَابيب (10)

* * *

خزيتْ بغدادُ .. ليس بها
مثل هذا الفحلِ يَعسوبُ ؟

فوقَ جمرٍ من ذنابته
لفراعينٍ مَساحيبُ

دَرَجت "خمسون" وهو لها
طالبٌ حتفاً ومطلوبُ

كم بها "ثَبْتٍ" عرضت له
فهو مطعونٌ فمشجوب

وهجينٌ ما له نَسَبٌ
لقصيدٍ قلتُ منسوبُ

من إماءٍ حوله خَجِلٌ
وحريم منه محجوب

ودعيٌّ إنه عَطَبٌ
نلت منه فهو مَعطوبُ

شقيت صُمُّ الرماح به
وتحامتْه الأنابيب

ورمى فاستنوقت لُسُنٌ
إنها بُزْلُ مصاعيب (11)

جئتَه بالهون أدمغهُ
فإذا الغلاّبُ مغلوب

وإذا سَلاّب أردية
قذرٌ .. عُريانُ .. مسلوبُ

وإذا الصَلاّب .. مفتَضحٌ
بِعَمودِ الشعر مصلوبُ

كم ببغداد ألاعيبُ
وأساطير أعاجيبُ


(1) السحت: كل حرام قبيح، وما خبث من المكاسب.
والغباغب: جمع غبغب. قال أبو عمرو: غبغب إذا خان في شرائه وبيعه. والحوب: الإثم.
(2) غِربيب: شديد السواد.
(3) النقد ( بالتحريك ) جنس من الغنم قصار الأرجل وفي المثل: هو أذلّ من النقد.
(4) السِبال: جمع سبلة ( بالتحريك ) وهي الشارب ومخضود السبال كناية عن الذليل. والسجال جمع سجل وهو الدلو. والشؤبوب: الدفعة من المطر.
(5) العراقيب: جمع عرقوب وهو عصبٌ موتّر خلف الكعبين.
(6) طَبَع ( بالتحريك ): الدنس والعيب.
(7) مرازبة: واحدها مرزبان فارسيّ معرب، أي الفرسان الشجعان. واليعاسيب: جمع يعسوب أي السيد والرئيس المقدّم.
(8) تلابيب: أطراف.
(9) هطعت: دانت وذلت.
(10) الرعابيب: جمع رعبوب أي الضعيف الجبان.
(11) البَزل: جمع بازل وهو البعير إذا استكمل السنة الثامنة.والمصاعيب: جمع مصعب وهو الفحل.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السابع-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1980م