الدم يتكلم بعد عشرٍ …
* نظمت عام 1931، وقد مضت على ثورة العشرين ، عشر سنوات ، وكان العراق يجتاز أزمة سياسية واقتصادية خانقة .. وكان لهذه القصيدة تأثير شديد في المحافل السياسية وفي الأوساط الأدبية على حد سواء .
* نشرت في جريدة "الإخاء الوطني" لسان حزب "الإخاء الوطني" المعارض في العدد 18 في 21 آب 1931 بعنوان : "من الأعماق ! ".
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا
![]() سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
![]() سبّ من شاء أن تموت وأمثالُك
![]() همّاً وأن تروحوا ضَياعا
![]() سبَّ من شاء أن تعيشَ فلولٌ
![]() حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا
![]() داوِني إنَّ بين جنبيَّ قلباً
![]() يشتكي طولَ دهره أوجاعا
![]() ليت أني مع السوائم في الأرض
![]() شرودٌ يرعى القَتاد انتجاعا
![]() لا ترى عينيَ الديارَ ولا تسمعُ
![]() أذني ما لا تُّطيق استماعا
![]() جُلْ معي جولةً تُريك احتقار
![]() الشعب والجهلَ والشقاءَ جِماعا
![]() تجدِ الكوخَ خالياً من حُطام
![]() الدهر والبيتَ خاوياً يتداعى
![]() واستمع لا تجدْ سوى نَبضاتِ القلب
![]() دقَّت خوفَ الحساب ارتياعا
![]() فلقد أقبلت جُباةٌ تسومُ الحيَّ
![]() عنفاً ومهنةً واتضاعا
![]() إنَ هذا الفلاّحَ لم يبقَ إلا َّ
![]() العِرضُ منه ، يُجِلّه أن يباعا
![]() * * *
![]() بعد عشر مشت بِطاءً ثقالا
![]() مثلَّما عاكست رياحٌ شِراعا
![]() عرّفَتْنا الآلامَ لوناً فلونا
![]() وأرتنا المماتَ ساعاً فساعا
![]() اختبرنا ، إنَّا أسأنا اختباراً
![]() واقتنعنا ، إنا أسأنا اقتناعا (1)
![]() وندِمنا فهل نكفّر عمَّا
![]() قد جنينا اجتراحهً وابتداعا
![]() لو سالنا تلك الدماءَ لقالتْ
![]() وهي تَغلي حماسةً واندفاعا
![]() ملأ الله دُورَكمْ من خيالي
![]() شبحاً مرعباً يَهُزّ النخاعا
![]() وغدوتمْ لهول ما يعتريكمْ
![]() تُنكرون الأبصار والأسماعا
![]() تحسبون الورى عقاربَ خضراً
![]() وتَرَوْن الدُّروب ملأى ضِباعا
![]() والليال كلحاءَ لا نجمَ فيها
![]() وتمرّ الأيام سوداً سِراعا
![]() ليتكمْ طِرتُمُ شَعاعاً جزاءً
![]() عن نُفوس أطرتموها شَعاعا
![]() بالأماني جذّابةً قُدتُموها
![]() للمنّيات فانجذبنَ انصياعا
![]() وادعيتم مستقبلاً لو رأته
![]() هكذا لم تضع عليه صُواعاً (2)
![]() ألهذا هَرقْتُموني وأضحى
![]() ألفُ عرض وألف مُلكُ مُشاعا (3)
![]() أفوحدي كنتُ الشَّجاعةَ فيكمْ
![]() أولا تملكون بعدُ شُجاعا
![]() كلُّ هذا ولم تصونوا رُبوعاً
![]() سِلتُ فيها ولم تُجيدوا الدفاعا
![]() إنّ هذا المتاعَ بخساً ليأبى الله
![]() أن تفصِدوا عليه ذراعا
![]() قلْ لمن سِلتُ قانياً تحت
![]() رجليهِ وأقطعته القُرى والضيِّاعا
![]() خَبَّروني بأن عيشة قومي
![]() لا تساوي حذاءك اللماعا
![]() |
(1) اقتنعنا : يقصد اقنعنا .
(2) الصواع : لغة في الصاع الذي يكال به ، وقيل هو إناء يشرب فيه . يريد : لما أبهت له واهتمت به .
(3) هرقتموني : أرقتموني ،أسلتموني ، والدم هو الذي يتكلم .
المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م
الصفحات: 1 2