آهات .

قِفْ على " براها " وجُبْ أرباضَها
وسَلِ المُصطافَ والمرْتَبَعا (9)

أعلى الحُسنِ ازدهاء وَقَعَت
أم عليها الحسنُ زهواً وَقَعا

واستَعِرْ منها عيوناً جمَّةً
وتملَّ الناسَ والمُجتمَعا

وسلِ الخَلاّقَ هل في وُسعِه
فوقَ ما أبدَعَه أن يُبدِعا

قُلتُ مما أفرَطَ الحسنُ بها
بئْستِ الدُنيا لنا مُنتجَعا (10)

يحسُدُ المُقعَدُ من جُوع بها
مُتْخَماً أُقعِدَ ممّا شَبِعا

* * *

يا لَصيفٍ مُمتِعٍ لو لم يكُنْ
غيرُه كانَ الفصولَ الأربعا

ممطرٍ آناً .. ورَيّانَ الضُحَى
مُزهرٍ آناً .. وذاوٍ سَرِعا (11)

حُلُمُ العذراءِ في يَقظتِها
ويُناغي حينَ تَغفو المَخْدَعا

تشتَهي ما ظلَّ أن لا يَنْقَضي
فإذا وَدَّعَها أن يرجِعا

مَرَّتِ الأسرابُ تَترى .. مَقْطَعٌ
من نشيد الصيفِ يتلو المَقْطَعا

وتَفَتَّحْنَ على رَأْدِ الضُحى
حُلُماً أَشْهَى، وصَحْواً أمْتَعا (12)

وتَقاسَمْنَ الصِبا مَيْعتَه
وشَذاهُ، والهَوَى، والمُتَعا (13)

وتَخَفَّفْنَ فما زِدْنَ على
ما ارتدَتْ " حَوّاءُ " إلاّ إصبَعا

رَحْمَتا " لابنِ زُرَيقٍ " لو رَأَى
فَلَكَ الأزرارِ ماذا أَطلَعا (14)

كُلُّ مَضمومٍ إلى صاحِبِه
مُشْرَئِبِّينْ إلى النُور مَعا (15)

ما أَرقَّ الزَّهرَ في سِيقانه
وعلى لَبّاتِها ما أروَعا (16)

* * *

يا بديلَ الخُلْدِ لولا أَنّها
كانتِ المَرأَى، وكان المَسمَعا

لا تَخطَّاكِ الحَيَا من مُمْرعٍ
صابَه . . أو لم يَصُبه أَمْرَعا (17)

وتناغَتْ بكِ أوتارُ الصِبا
ما شدا شادٍ، وما داعٍ دَعَا

فلقد رُضتِ جِماحاتِ الهَوَى
فتَحوَّلْنَ الرَضِيَّ الطَيِّعا (18)

كَفَيتِ النفسَ مما غذِيَتْ
مَطمَحاً لم تَغْذَه، أو مَطْمَعا

لا أُحابيكِ فبي حَزُّ المُدى
من عَقابيلَ أبتْ أنْ تُنْزَعا (19)

وأحاسيسَ يُبقِّي عَضَّةً
مَدرَجُ النَمل بها أنّى سعَى

ومُضِبٍّ في رُؤىً لا تَخْتَفي
فأُواريها، ولا أَنْ تَسْطَعا (20)

أُسدِل السِترُ على واحدةٍ
فتَعَرَّى ما سِواها أجمَعا

تَتَساقَى مُصبِحاتٍ من دمي
وتُماسي فتُقِضُّ المضجَعا

غنيةٌ أنْ قد تَلَمَّسْتُ المَدَى
من مَداها .. ورَقَيتُ الأَوجعا (21)

كُلَّما أفزَعَني من وَحْشِها
طارقٌ .. ألفَيتُ فيك المَفْزَعا (22)


(9) براها: مدينة ” براغ ” كما يسميها أهلها. والأرباض: جمع رَبَض ( بفتح الباء ) وهو ما حول المدينة.
المصطاف: مكان الاصطياف. والمرتبعا: المكان الممرع.
(10) المنتجع: المنزل.
(11) سرع: سريع.
(12) رأد الضحى: ارتفاعه.
(13) ميعة الصبا: أوله وأنشطه.
(14) ابن زريق: شاعر بغدادي عباسي اشتهر بقصيدته العينية التي مطلعها:
لا تعذليه فإن العذل يولعه * قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
والشاعر يشير إلى البيت:
أستودع الله في بغداد لي قمرا * بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
(15) اشرأبّ: تطلع بتشوّف.
(16) اللبّات: جمع لبّة وهي وسط الصدر وهو موضع القلادة منه.
(17) الحيا: المطر. الممرع: المخصب. وصاب المطر: نزل وانصبّ.
(18) الجماحات: جمع جماح وهو الاندفاع.
(19) المدى: جمع مدية وهي السكين. العقابيل: البقايا، ومفردها عقبول وعقبولة.
(20) المضب من الرؤى: ما يغشاه الضباب من الفعل ( أضبّ ).
(21) الغنية: الغنى. رَقيَ: شفى.
(22) الطارق: ما يغشاه من الرؤى ليلا. المَفْزَع: الملاذ.