الجواهري في اعوامه الاخيرة .
: صباح المندلاوي.
1/ 1/ 1994 المكان : دمشق ـ بيت الجواهري
سألته صباحاً عن توقعاته للعام الجديد، فذكر ان هذا العام لن يختلف كثيراً عن الاعوام التي سبقت ..
وبدون تحالف القوى الخيرة العراقية ووحدتها وتلاحمها لايمكن ان نأمل خيراً. وانتقد بعض التصرفات والسلوكيات من قبل بعض الاحزاب والاطراف فيما بينها التي لاتنم عن روح ديمقراطية .
وإذ ذكرت احدى الاذاعات نبأ عن اللقاء المرتقب مابين كلنتون والرئيس السوري حافظ الاسد قال:
ربما مثل هذا اللقاء له ان يلعب دوره في حل مشكلة الشرق الاوسط.
اذ أشارت كريمته خيال الى ان في مكتبة الاسد الوطنية قد لاحظت وجود 34 جزءاً من كتاب ”جواهر الكلام “ علق الجواهري طويلاً عن اهمية هذا الكتاب والمقدمة التي وضعها المظفري مستشهداً باشادة رجل القانون المصري ـ السنهوري ـ بهذا الكتاب .
ومما ذكره بانه رأى الجزء الاول بطباعة انيقة وجميلة.
وعن مؤلف” جواهر الكلام “ جده الشيخ محمد حسن، احد ابرز العلماء ووجهاء النجف الاشرف وممن ارتبطت شهرة الاسرة الجواهرية بشهرته ومن خلال مؤلفه الآنف الذكر قال:
قبره في النجف، مقبرة الشيخ
كنا صغارا نزور قبره في المناسبات والاعياد بعدها ردد الحكمة المشهورة.
ولدوا فتعذبوا فماتوا .
14 / 1 / 1994 .
ليلاً حدثنا عن ابنة هويدي التي احبها وهو في الثامنة من عمره وعن ابيها قال: انه متعهد بناء الجسور في النجف بحكم عمله يأتي من بغداد ويبقى في النجف عاماً او يزيد وبعدها اي بعد انتهاء اعماله ومهامه يعود من حيث آت.. بعد تلك القصة والعلاقة الحميمة وحال مغادرتهم للنجف لم التقيها بعد.
كذلك حدثنا عن ابنة عمته ـ نهاية ـ كريمة الشرقي التي احبها ايضاً .
قلت له : لي بنت خالة اسمها ـ نهاية ـ ايضاً ، لقد اختاروا لها هذا الاسم لتكون نهاية لمجيء البنات بعد ان تجاوزن اصابع اليدين. ومع ذلك فهي لم تسدل الستار على ولادة بنت اخرى.
علق الجواهري باستغراب : معقولة
هذه الليلة تطرق الى القصائد التي نشرها وباسماء مستعارة ومنها ”الشاعر المقبور“ حيث نشرت له اول قصيدة مذيلة بهذا الاسم .
كانت الامطار تنهمر بغزارة .
اخبرته بانني في مثل هذا اليوم قد غادرت بغداد وقبل اكثر من 14 عاماً باتجاه تركيا ومنها الى بلغاريا.
يعلق:
انت في عام 1979
وانا في عام 1980
اخبرته بان جريدة ـ الاتحاد ـ للاستاذ فايق بطي قد نشرت مقاطع من قصيدته عن الجيش :
جيش العراق ولم ازل بك مؤمناً
وبانك الامـل المـرجى والمنى
سألني : مالذي يدفع بهم لنشرها في مثل هذه الايام؟
قلت: بمناسبة عيد الجيش في السادس من كانون الثاني .
15 / 1 / 1994
اقرأ له مقالة منشورة في جريدة ”تشرين“ السورية لهذا اليوم بعنوان ”وحيد العرب ليس وحيداً“ فتفتح شهيته للحديث عن الواقع العربي وعن معاناة العراقيين وعذاباتهم في الداخل والخارج.
يتذكر معاركه الادبية والسياسية في الاربعينيات وما بعدها ويتوقف عند قصيدته ـ علموها ـ التي كتبها في عام 1928 والتي انشدها احتجاجاً على منع افتتاح مدرسة للبنات في النجف .
علموها فقد كفاكم شنارا
و كفاها ان تحسب العلم عارا
وكفانا من التقهقر انا
لم نعالج حتى الامور الصغارا
يعترف بتعب ”خيال“ ومداراتها له
تقول خيال : بدءاً كانت امي هي المسؤولة عن كل شيء كانت تعمل بلا كلل او ملل . و بصمت لم اسمعها ذات يوم تشكو .
يكرر الجواهري هنا : ابد… ابد
تضيف خيال: كم كانت صبورة وقوية..؟
ما اجمل قصيدتك عنها التي نقشت على قبرها :
هانحن امونة ننأى ونفترق
والليل يمكث والتنهيد والحرق
اتشجع فاقول : كم ارغب ان اسجلها وبصوتك يرد قائلاً بالعامية : ميخالف .
16 /1 / 1994
في الثامنة والنصف صباحاً يغادر سرير نومه
وبعد قليل يتناول فطوره المعتاد، كأس ماء، فنجان قهوة، ملعقة عسل، بيضة مقلية.
اقرأ له ما تحمله الصحف السورية من اخبار ومتابعات تتعلق بالعراق. يتوهج حزناً وكأن لسان حاله يقول :
انا العراق لساني قبله ودمي
فرأته وكياني منه اشطار
عصراً وبعد تناول الغداء يروي لنا الحادثة التالية:
كان صديقي وزميلي عبد الرزاق الناصري صاحب جريدة” الايام “ في البصرة بين آونة واخرى يتردد على بغداد ويزورني.
في آخر مرة جاء الى بغداد لشراء كمية من الورق وقد اشتراها فعلاً ووضعها لدي في الجريدة ”الرأي العام“.
قبل عودته الى البصرة وبالقطار جاء ليودعني بحرارة وحميمية وقد اغرورقت عيناه بالدموع وشحب لونه وشفاهه عاجزتان عن التعبير… وبصعوبة قال لي:
هو الوداع الاخير يا ابا فرات.
لم اعر ما يقوله اهتماماً كبيراً . وقد ظننت انه مأخوذ بما كان يتعاطاه من الشراب يومياً. فرحت امازحه واداعبه : يبدو انك اسرفت في الشراب
فاقسم بكل ماهو مقدس بانه لم يتناول هذا اليوم بالذات منها شيئاً .
ودعني وودعته.. ولم اكن ادري انني سأصعق في اليوم التالي بنأ رحيله حينما جاءني ابنه البكر غازي وله شقيق اسمه سعود، وهو يحمل البرقية التي وصلته من البصرة وفي طياتها نبأ وفاة والده.
دارت بي الارض وشعرت بحزن عميق، ترى اي وداع عجيب، هذا الذي ودعني به.ولمدة طويلة بقيت مشدودا لمعرفة ما حدث حتى شاءت الصدف ان التقي ابنه المدلل سعود فروى لي حقيقة ما حدث كان سعود معتاداً على ايقاظ ابيه صباحاً ومن خلال مداعبته وببراءة الاطفال. حال وصوله الى البصرة ليلاً كان متعباً اوى الى فراشه والقى بنفسه كمن لم ينم منذ زمن طويل، صباحاً وفي اليوم التالي كالعادة، حينما تقدم منه سعود ليوقظه رآه يغط في نوم عميق، هو النوم الابدي صرخ مذعوراً به مرة اخرى او مرتين. ولكن بلا جدوى كان الصمت يلفه، كان كل شيء قد انتهى وتوقف قلبه عن الخفقان. لقد غادرنا الى العالم الاخر.
وراح يتساءل: اية اسرار عجيبة وغريبة تكتنف حياتنا وحياة الاخرين.
ليلاً اخبرته ان وسائل الاعلام قد تناقلت نبأ لقاء الرئيس السوري الاسد وكلنتون. اذ عرض التلفزيون السوري جانبا من اللقاء، اقترب من شاشة التلفزيون ليرى بوضوح وامعان الى ما سينجم عن هذا اللقاء التاريخي لم تمض ايام معدودات حتى فجع الرئيس السوري حافظ الاسد بوفاة نجله ـ باسل ـ فشهدت دمشق اياماً ملؤها الحزن والاسى على رحيل هذا الشاب الموهوب.
ارسل الجواهري بهذه المناسبة برقية تعزية الى الرئيس السوري حافظ الاسد بل تجشم عناء السفر الى اللاذقية مع افراد عائلته لتقديم التعازي الى ذوي الفقيد . في الثامن والعشرين من كانون الثاني يعود الى دمشق ويصلها في الساعة الثانية والنصف .
نتناول الغداء ـ كباب الريان ـ المشهور وقد جلبه ”ابو وسام من مطعم الريان“.
يتابع الجواهري عبر التلفزيون الكلمات التي القيت في مجلس العزاء.
المصدر : شبكة الاعلام العراقي http://www.alsabaah.com