سجا البحر.

ويا مُخجلي فيما تشطُّ مزاعمي
جنوحا، وفيما تدعي من شمائل

تُنفِّضُ ما يُضفي الغرور، وتَرتدي
أمامك زيَّ القابعِ المتضائلِ

ويُفزِعُها ما بين أطماحِ ماردٍ
مُقيمٍ، وأطماعِ ابن يومين راحلِ

ترى جامحاً لا ضحكة للقوابل
ولا دمعةً تمري عيونَ الثواكلِ (10)

ولا مُصعراتٍ للسماءِ مُتونَهُ
ويحطمُ مسمارٌ عظامَ الكواهلِ (11)

ترى مُشرقاً لا الجوُّ رحبا بغالقٍ
عليه ولا ضوءُ الشموس بآفلِ (12)

مهيباً كريماً باسطاً من ذراعه
تُعَبّدُ ما اسطاعتْ دروبَ السوابل (13)

ويحنو على الشُمِّ الجوارى كما اختفتْ
نَطاسيَّةٌ بالمثقلاتِ الحواملِ (14)

* * *

سجا البحرُ إلا من شراعٍ مُهوِّمٍ
يحومُ على صمتِ الدجى كالمخاتلِ

وخفقِ مصابيحٍ كأن خوالجي
تغلغَلنَ فيها من مُليحٍ وناصلِ (15)

تغامزن بي يعجبن من وجد ساهر
ويمنحن خلو البال طرف المُغازل

على الشاطئ الأقصى كأن رفيفَها
على الشاطئ الأدنى بَريدُ المراحلِ

مَعالمُ كونٍ غامضاتُ سرائرٍ
فهن لمن يرتادُها كالمجَاهِلِ

وما أصغرَ الدُنيا على جهلِ ساحلٍ
لفرط التجافي والتنافي بساحل

* * *

سجا البحرُ، وانشقَ الثَرى عن هواجسٍ
تَرعرعُ في مستوبئ الظلِّ قاحلِ

وبتُّ أُساقي نَبعَها غيرَ آبهٍ
بحقٍ أنمّي زرعَها أمْ بباطلِ

اقولُ أُغنّيها فَتنبو مسامعي
وأُحصي مسَاويها فتكبو أناملي (16)

وأمضي أُعانيها فترتدُّ يقظتي
جحيما، ونومي مثلَ حزِّ المناجلِ

وتزدادُ قُبحاً إذْ أُعالج قُبحَها
بمكذوب ظَنٍّ للمعاذير فائِلِ (17)

ولست بدارٍ هل أسمى أشرّها
بأُمِّ المآسي، أمْ بأمِّ المهازلِ ؟


(10) الجموح من الرجال: الذي يركب هواه فلا يمكن ردّه. والمري في الأصل مسح ضرع الناقة لتدرّ.
(11) أصعر وصعّر: أمال خده عن النظر إلى الناس تكبرا.
(12) أفل: غاب.
(13) السوابل: جمع سابلة وهي أبناء السبيل المختلفون على الطرقات في حوائجهم.
(14) الشم الجواري: السفن الضخمة العالية. والنطاسي بالفتح والكسر: الحاذق بالطب.
(15) ألاح: تلألأ ولمع. ونصل السهم إذا خرج منه النصل.
(16) تنبو مسامعي عن الغناء: تجافيه وتعرض عنه. وتكبو أناملي: أي تتوقف أناملي عن الاحصاء تعباً وكللا.
(17) فائل: خطأ وضعيف، وفال رأيه: ضعف.