أطبق دجى .

أطبق دجى !
* نظمت في بغداد خريف 1949.

أطْبِقْ دُجى ، أطْبِقْ ضَبابُ
أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ

أطبق دخانُ من الضمير
مُحَرَّقاً أطبق ، عَذاب

أطبق دَمارُ على حُماةِ
دمارِهم ، أطبق تَباب

أطبق جَزاءُ على بُناةِ
قُبورِهم أطبق عِقاب

أطبق نعيبُ ، يُجِبْ صداكَ
البُومُ ، أطبق يا خَراب

أطبق على مُتَبلِّدينَ
شكا خُمولَهمُ الذُّباب

لم يَعرِفوا لونَ السماءِ
لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب

ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ
كما دِيسَ التراب

أطبق على المِعزى يُرادُ
بها على الجوعِ احتِلاب

أطبق على هذي المُسوخ
تَعافُ عيشتَها الكلاب

في كلّ جارحةٍ يلوحُ
لجارحٍ ظُفرٌ وناب

يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ
كأنه مِسكٌ مُلاب

أطبق على الدِيدانِ
ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب

أطبق على هذي الوجوه
كأنها صُوَرٌ كِذاب

المُخرَساتُ بها الغُضونُ
فلا سؤالَ ولا جواب

بُلهاً تدورُ بها العيونُ
كأنَّ صحصَحَها سَراب

ملَّ الفؤادُ من الضمير
وضجَّ بالرُّوح الإِهاب

* * *

أطبقْ على مُتفرقّينَ
يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب

يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم
يحُلُّ بهم عَذاب

ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ
حقوقهم يوماً فتابوا

وتأوَّبوا للذلِّ يأكل
رُوحَهم نِعْمَ المآب !

* * *

أطبق على هذي الكرُوشِ
يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب

مِن حولِها بقرٌ يَخورُ
وحولَه غَرثى سِغاب

أطبق إلى أنْ ينتهي
للخاطبينَ بكَ احتِطاب

أطبق على مُتنَفِّجينَ
كما تَنفَّجت العِياب (1)

مستنوقِينَ ويزأرونَ
كأنهم أُسْدٌ غِلاب

يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم
عن العلياءِ صاب (2)

يَمشي مِن الأمجاد
خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب (3)

فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ
وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب (4)

خفَقَت ظِلالُهم وماعوا
مِن نُعومَتِهم فذابوا 

ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت
طُعمَةَ النارِ الصحاب


(1) المننفج -كالنافج و النفاج- المتعاظم والمتكبر والمتضخم ، والعياب جمع “عيبة” : السفط توضع فيه الثياب .
(2) زها الشيء الرجل استخفه واستطاره والصاب شجر شديد المرارة .
(3) الميسرة ضد المعسرة .
(4) حلق البطان ما يربط به الحزام من آلة وعدة ، “المقى” حلق البطان مثل يضرب لعظمة المكروه واشتداده .

المصدر : ديوان الجواهري – الجزء الثالث- وزارة الاعلام العراقية / مديرية الثقافة العامة – مطبعة الأديب البغدادية 1973م