ذكريات …

يا ذكرياتٌ كلُّها حُرقٌ
تَطَأ الفُؤادَ ، وتلهبُ الحَدَقا

من لي بشِعرٍ خالقٍ شجناً
للناس يُعجزهم بما خَلَقا

هي صُورة حمراءُ من شَجني
تُدمي اليَراع وتُرعب الوَرَقا

ليَرىَ الذين تجاهَلوا برَمَاً
أسيانَ : كيفُ يُكابد الحُرَقا (7)

من لي باطيافٍ تُراوحني
بالهمِّ مُصطبَحاً ومُغتبَقا

متسلسلات كلما وَجَدَتْ
فيها فراغاً ، أفَرغَتْ حَلقا

مستجمعات كلَّ خاطرةٍ
ما جدَّ من عهدٍ وما خَلِقا

ما كان مثلَ القبر مُختفياً
تُبديه مثلَ النجم مُنبثِقا

فَرِحاً ومكتئباً ومختلِطاً
بهما ، ومُتَّحداً ، ومفترِقا

من لي بها وكأنَّها بشرٌ
عن نفسه يَروي اذا نطَقا

من لي باشباحٍ أنوءُ بها
رَسْفَ السجين بقيَدِه عَلِقا (8)

حتى اذا انصَرَمَت بدا شَبَحٌ
حُلوٌ يكادُ يُطيرني نَزَقا

طوراً نَروح معاً على ظَمَاً
منها ، وطوراً نستَقي غَدَقا (9)

يوماً بقَعر البيت يُوغرنا
حَنَقاً ، قضاءٌ مُوغِر حَنِقا

وهُنيهة نرتاد مُرتفِعاً
من هَضْب "لبنانٍ" ومُنْزَلِقا

من لي بها تَعتادُ قارئها
فَرَقاً ، كما تَعتادني فَرَقا

وتردُّ – مثلي – عيشَه رَنِقاً
وتَسُدُّ – مثلي – حَولَه الطُرقا (10)

* * *

من لي بشِعرٍ خالقٍ حُرَقاً
تطأ الفؤادَ وتُلهِبُ الحَدَقا

ليريُهم القلبينِ قد لَصِقا
صِنويَن ، كيف اذا هُما افتَرَقا

واذا هما – والموت بينهما –
مدّا من الجْيدينِ فاعتَنَقا

وتساءَلا : ما ضرَّ لو سلكا
كَفَناً معاً ، وبحبله عَلِقا

حتى اذا استبقى احرُّهما
رَمَقاً ، واسلَمَ خِدنُهُ رَمَقا

وحثا التُرابَ بوجهه قَدَرٌ
عبّا لكل مُفارق طَبَقا

وانداحَتِ الدنيا بناظرِه
حتى لظَنَّ رحابَها نَفَقا

ومضى حسابُّهما برُمَّته
ما انفكَّ من دَين وما انغَلَقا

صَفَقَ اليدين كأنَّ مرتجِعاً
يرجُو لصاحِبه بما صَفَقا

وكأنما يُعطي الشقيقَ دماً
ان الشقيقَ بدمعه شَرِقا

وكأنما انشقَّ الضريحُ له
ب "رعى السحابُ ضريحَه وسَقَى"


(7) أسيان : حزين .
(8) الرسف : مشي المقيد .
(9) الغدق : الماء الكثير .
(10) الرنق : الكدر .