النجوى .

النجوى …
* نشرت في العدد الممتاز لجريدة "العراق" العدد 1326 في 2 حزيران 1924.

يقولون : ليلٌ علينا أناخ
نهارٌ على الغربِ يُعشي العيونا

وأنَّا نسينا عناءَ القلوب
لأنَّا بهذى الدُّجى هادئونا

وأنْ ليس في الكون من رحمةٍ
يواسي بها معشراً آخرونا

فليتَ عيوناً سُهاداً درتْ
بأنا – كعادتنا – راقدونا

سألناكمُ عن مَثار السَّديم
فَعَنْ حُرَقِ الهمِّ لا تسألونا

فانَّ معاملَكمْ والبخار
وقلبي وزفرَتهُ مستوونا (1)

* * *

أرى أُمماً هي والمالكين
متاعٌ أعدَّ لِمنْ يأكلونا

نظنَّهُمُ خُلقوا للغلاب
وأنَّا خُلِقْنا لأنْ يغلبونا

وعصرٌ تَناهضَ فيه الجمادُ
عجيبٌ به يجمُدُ النَّاهضونا

ألا هِزَّةً تستثيرُ الشّعوب
فقد يُدْرِكُ النَّهْزَةَ الثائرونا

ألا قبساً من شُعاعِ الكليم
تُعيدُ على الشَّرق يا "طُورَ سينا"

خليليَّ أين نبوغُ العراق
وأين ذوو حُكْمهِ النابغونا

أذاكَ الذَّي خَلَّفَ الذّاهبون
كهذا الذَّي ترك الوارثونا ؟

أغير َ المطامعِ لا تعرفون
وغيرَ الهياكلِ لا تعبدونا ؟

زفيفاً وقد حلَّقَ المعتلون
وزحفاً وقد أبْعَدَ الرّاكضونا ؟

ولسنا وقد أعجزتنا الحياة
عن الموتِ في نيلها عاجزينا

* * *

وإن أنسَ لآ أنس حول "الفرات"
مناظر تُصبي الحليمَ الرزينا

نسيماً يلاطف رِخوَ النمير
كما حرَّكَ الوَرَقَ اللاعبونا

وساكن جوٍ يعيدُ الأثير
كما الحبُّ شاء شجيّاً حزينا

ونوراً كسا سُدُفاتِ الأثير جمالاً
يردُّ التَّصابي جنونا

يدلُّك يا بدر هذا الجمالَ
على الخَلق لو انصفَ الشاكرونا

كفتنيْ الكرى واجباتُ المِحاق
فجئتُ تَماسَحُ مني الجفونا

تَجَلىَّ علينا إلهُ الشعور
سجوداً معي أيُّها الشاعرونا

على مَهَلٍ بعضَ هذا الخداع
فنُورك قد أوهمَ اللاقطينا

إذا ما اعتلى البدرُ خيطَ الرمال
تخيَّلها الطرفُ عِقْداً ثمينا

بامركَ تحريكُ درع الفضاء
وان رَجَمَ الخلق فيك الظنونا

سلامٌ على أنفُسٍ رفرفتْ
من الحبِّ هام بها المغرمونا

خليليَّ حتى وعورُ الجبال
تَهيجُ الصبَّابةَ لي والحنينا

ولي مضغةٌ بينَ عُوج الضلوع
تحاولُ أنْ تجعلَ الفَوْقَ دونا

فديتُ المُنى أنَّها رَوحةٌ
وروحٌ يعيشُ بها الشاعرونا

ولو لا قلوب تحس الاذى
لما عرف اللذة العاشقونا

رقاق ٌ ترى أنَّ مَيْل الغصون
إذا ما الصبا جالَ في الروضِ هُونا

وإنَّ ممنَ الشّعْر وهو الخيالُ
عروشاً وأنهمُ المالكونا


(1) نزلت المعامل وما بعدها منزلة العقلاء تغليباً.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الأول-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م