في بغداد …
* نظمت عام 1924.
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ
![]() حيي الرُصافة عني ثم حَيّيني
![]() ان لم تمري على ارجاءِ شاطِئها
![]() فلَيتَ لم تحملي نشراً لدارين
![]() لا تَعبَقي أبداً إلاّ مُعطّرةً
![]() ريانةً بشَذَى وردٍ ونِسرين
![]() أهديت لي ذكرَ عَصرٍ قد حَييت به
![]() من عَلَّم الريحَ أن الذكرَ يُحييني
![]() حيثُ الزمانُ وَريقُ العودِ رَيّقه
![]() والدهرُ دَهرُ صباباتٍ تواتيني
![]() معي من الصحب يسعى كلُّ مُقتَبِلٍ
![]() نَضْرِ الشباب طليقِ الوجهِ ميمون
![]() خالٍ من الهَمّ لو لامَسْتَ غُرَّته
![]() أعداكَ واضحُ تَهليلٍ وتَحسين
![]() ولي الى الكرخِ من غربيِّها طَرَب
![]() يكادُ ُمن هِزَّةٍ للكرخِ يرميني
![]() حيث الضفافُ عليها النخلُ متِّسقٌ
![]() تنظيمَ أبيات شعرٍ جدِّ موزون
![]() وللنسيم استراقٌ في مرابعها
![]() للخطو مَشْيٌ ثقيلُ القيد موهون
![]() يا ربةَ الحسن لا يُحصَى لنَحصِره
![]() وصفٌ فكلُ معانينا كتخمين
![]() والله لو لا ربوعٌ قد ألِفتُ بها
![]() عيشَ الأليفينِ أرجوها وترجوني
![]() وان لي من هوى أبنائها نَسَباً
![]() دونَ العشيرة للأصحاب يَنميني
![]() لاخترتُها منزلاً لي أستظلُّ به
![]() عن الجنان وما فيهن يُغنيني
![]() لخبَّرت كيفَ شوقُ الهائمين بها
![]() وكيفَ صَفْقُ عذولي كفَ معبون
![]() اخوانُنا حيث راقَ الجَسرُ وانتظَمَتْ
![]() الى مغانيكم أنفاسُ مَحزون
![]() فالشمس كل بروج الافق تصحبها
![]() سيراً وتسري الى برج بتعيين
![]() سقاكُمُ ريِّقٌ من صَوب غاديةٍ
![]() ينهلُّ عن عارض بالبشرِ مقرون
![]() لا تحسبوا أن بُد الدارِ يُذهلني
![]() عنكم ولا قِصرَ الأيامِ يُنسيني (1)
![]() ضِقتُمْ قلوباً لما ضمَّتْ جوانحُنا
![]() لو كانَ يسمَحُ في نشر الدواوين
![]() ذاوي النبات هشيماً لستُ آمنَ من
![]() ريحِ الصَّبا أنها جاءت لتذروني
![]() خلِّ الملامةَ في بغدادَ عاذلنتي
![]() علامَ في شم رَوح الخُلد تَلحيني
![]() هل غيرُ نَفسٍ هَفَت شوقاً لمالئها
![]() شوقاً ، يصعِّد بين الحين والحين
![]() * * *
![]() أما النسيمُ فقد حَملتهُ خَبَراً
![]() غيرُ النسيم عليه غيرُ مأمون
![]() ما سرَّني وفنونُ العلم ذاويةٌ
![]() أنَّ الأفانينَ لُفَّتْ بالأفانين
![]() ولا الربوع وان رقَّ النسيم بها
![]() إن كان من خَلفها أنفاسُ تِنّين
![]() هيهاتَ بعد رشيدٍ ما رأت رَشداً
![]() كلا ولا أمِنَت من بعد مَأمون
![]() أما اللسانُ فقد أعيا الضِرابُ به
![]() وكان جِدَّ رهيفِ الحدِّ مَسنون
![]() |
(1) قصر الأيام : في الأصل طول العهد.
المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الأول-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م