بم أستهل ؟..
* رثى بها الشاعر السيد محمد علي الحكيم ، وقد توفي بوباء "الكوليرا" الذي اجتاح البصرة سنة 1924 ، وكان الفقيد في ريعان شبابه ، وهو من أصدقاء الشاعر المقربين .
بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ ؟
![]() أم قبل ذاك بعُرسه وهنائِهِ
![]() عيَّ اللسانُ فان سمِعتَ بِمِقول
![]() فاعلم بأني لستُ من أكفائه
![]() هو موقفٌ ما بين قلبي والأسى
![]() جَلّى ، فكان الصبرُ من شهدائه
![]() سكن الثرى من كان لا يطِأ الثرى
![]() وهوى اليه وكان في جوزائه (1)
![]() ولقد خشِيتُ عليه من نَفسَ الصَّبا
![]() أسفاً لواهُ الموت في نكبائه (2)
![]() نجم هوى من أُفقه فتناقصت
![]() ولتشهدنَّ عليه شُهْبُ سمائه
![]() من كان يفترش الجْفُون وطاؤه
![]() قد وسدته الترب غيرَ وِطائه
![]() بشرى أبيكَ وبورك العُرسُ الذي
![]() زفوك فيه الى ثرى بَوغْائِه (3)
![]() ما الموت أطبقَ ناظريكَ وإنما
![]() رق الصَّبا فكَرعْتَ من صهبائه
![]() امجانباً عرض البسيط أعيذه
![]() من ان يَضيقَ عليك رحبٌ فضائه
![]() لكن رأى زمراً تمور وعالماً
![]() خلط الظلال هديره بِرُغائه
![]() فطواك في أحشائه متخوفاً
![]() من أن يضيع الدُّر في حصبائه
![]() هذا الربيع – وأنت من أزهاره –
![]() يَبكيك طيبَ أريجه وهوائه
![]() أسفاً فلا روضُ الحمى زاهٍ ولا
![]() نُوارُه متفتحٌ بشذائه
![]() ما اهتز نعشك يوم صفف عوده
![]() الا لأنك كنت من خطبائه
![]() يَبكيك مِنْبَرُكَ الرفيعُ وإنما
![]() يبكى لفقد وقاره وعلائه
![]() قد كان يأمُل أن يبلغ مُنيةً
![]() حتى يراك وأنت من بلغائه
![]() لا توقظوه بالدموع فربّما
![]() أغفى لطول سُهاده وعنائه
![]() ولقد خشِيتُ عليه قبلَ حِمامه
![]() أن سوف يُحرِقُه لهيبُ ذكائه
![]() غصْن لوته الحادثات فلم يُطِق
![]() دفعاً لها فذوى بخضرة مائه
![]() جاذبنه فضل الحياة فقصّرت
![]() منه وما قصُرت فضول رادئه
![]() قالوا أأعوزه الدواء جهالةً
![]() ولربما مات الفتى بدوائه
![]() * * *
![]() يا أيها "السلك" المبلغ نعيَهُ
![]() هلاّ حملتَ لنا حديث لقائه (4)
![]() ركب تحمل والحِمامُ يسوقه
![]() عَجِلاً ووقعُ البرق صوتُ حُدائه
![]() قلت : البشارةُ بالقدوم ، فهذه
![]() أوتارهُ هزِجت بلحن غنائه
![]() فإذا على أسلاكه مهزوزةً
![]() نبأ يرِن الحزن في أثنائه (5)
![]() عجباً له خِلو الحشا من لوعة
![]() وجليلُ رزء الموت في أحشائه (6)
![]() قاسٍ تحمل وقع كل عظيمة
![]() جللٍ تحطُ البدر في عليائه
![]() كالعود في أهزاجه ، والسهم في
![]() إصماته ، والطَرفِ في إيمائه
![]() متملكٌ سمعَ المُلوك وإنما
![]() يروي فصيح القول في فأفائه
![]() لا يستكنُّ السرُّ بين ضلوعه
![]() وتراه محموداً على إفشائه
![]() تتراجع الأفكار رازحةََ الخطى
![]() ما بين عودته الى إبدائه
![]() |
(1) وهوى إليه وكان : في الأصل وهو له من كان ، وهي من تعديلات الشاعر المتأخرة.
(2) من نفس : من مر ، وهي من التعديلات المتأخرة.
(3) البوغاء : التربة الرخوة.
(4) يقصد سلك البرق.
(5) فاذا على أسلاكه مهزوزة : في الأصل ، رنت لنا من أسلاكه ودوى بها ، من التعديلات الأخيرة.
(6) خلو : في الأصل خالي.
المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الأول-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م
الصفحات: 1 2