بم أستهل ؟ .

ما كنت أعلم "والغريُّ" مَحِلّةٌ
لك أن ستقضي في ربى "فيحائه" (7)

كنت الهلال تنقلاً وقد ارتدى
ثوب المِحاق رعايةً لاخائه

لفُّوْهُ في شَطَن الردى ومضى فلم
يحللْ لغير الله عقد قَبائه (8)

أفديه مصدورَ الفؤاد تقاطرت
افلاذُه بالنار من صُعَدائه

أبكيه ريانَ الشباب ، رداؤه
نَضِرُ الصبِّا ، شَرِقٌ بحسن روائه

أبكيه منطوياً على نارين من
داء النَّوى ، وهو الأمضّ ، ودائه

أبكيه مذعوراً تقسَّمَ طرفُهُ
ما بين أهليه ، الى رفقائه

أو بعدَما بَرَقَتْ أسِرَّتُّه لنا
وبدت مخايلُ حسنِه وبهائه

تنتاشُه كفُ المنية صارماً
عَضْباً يفُلُ العضبَ حدُّ مضائه

ما بعدَ يومك غيرُ عينٍ ثَرّة
ومدامعٍ سُحٍّ وحِلْمٍ تائه

لا تسألنِّي عن " أبيكَ " فبعض ما
لاقاه أن بكاءَنا لبكائه

عين تسيل دماً لفقد سوادها
وحشىً يذوب أسىً على سودائه

والمرء سلوة والدٍ متصبرٍّ
فاذا استقلَّ فصبره بازائه

ولقد عهِدْتُكَ والشمائلُ غضةٌ
غنيَ النديم بهن عن نُدمَائه

قالوا : "الوباءُ" فقلت من أدوائنا
وهو القتيل بهن لا بوبائه

رُحْ سالماً ، ودع الحياة لجاهل
وغروره ، أو عالم وريائه

والدين ، كلُّ الناس تعرف حَمْلَهُ
والفرق كلُّ الفرق عند أدائه

هل كنت لو نُجِّيتَ الا ساخراً
من حكم دهرك ، سادراً بشقائه

صبراً أباهُ وإن دهاك برزئه
دهر يذوب الصبر في أرزائه

أخذ الاله واخذُه أجرٌ كما
أعطى ، وكان الفضل في اعطائه

ولربما جزِع الفتى من علّة
كانت سبيلَ الشكر عند شِفائه

صبراً وشافع من تسمّى "محسنا"
أملٌ بحسن الصبر عند بلائه (9)

بالخلد عن هذي الحياة تصبراً
يُغنى وعن أكدارها بصفائه

إني نظمت الدمع فيه قصيدة
لما وجدت القول دون رثائه

وعلمت أن الخلد ملك "محمد"
فعسى أكون هناك من شعرائه

صبراً وإن ذهب "العليُ" وأنتم
"بسعيد" هذا الجيل من سعدائه (10)

ملاحظة : بعد عام على الوفاة نقل جثمان الفقيد من البصرة إلى النجف فأقام والده مجلس الفاتحة فنظم الجواهري قصيدة أخرى منها :
أعيد لأهله نعش الفقيد
فعُدنا للصبابة من جديدِ

أعيد لأهله صعداً ولكن
أعيد من الصعيد إلى الصعيد


(7) الفيحاء : البصرة حيث كانت تقيم أسرة الفقيد.
(8) الشطن : الحبل.
(9) محسن : هو محسن الحكيم والد الفقيد.
(10) سعيد أخو محمد علي المتوفي ، الجيل : في الأصل الدهر.