يا غريب الدار.

يا غريب الدار
والأيامُ كالناسِ تُدارى

وبناتُ الدهرِ يغلِبْنَ
بني الدهرِ ابتكارا (10)

خيرُ ما عندك ما
تحسَبُ شرّاً مستطارا

أنْ تذوَّبتَ انسجاماً
في الرزايا وانصهارا

ثمناً تدفع عن معركةٍ
خُضتَ انتصارا

ديةُ الثائرِ أن
يحتملَ النفْعَ المُثارا (11)

* * *

يا غريبَ الدارِ ما فخرُ
المنيبينَ اضطرارا (12)

ما افتخارُ العُود أنْ
تَلوي به الريح انكسارا

والهَشيمِ اليَبْسِ أنْ
شبَّتْ به النارُ أُوارا (13)

الرجولات اعتزازٌ
يتحدَّى الإغترارا

والمغاويرُ يجدِّونَ
مدى الدهرِ مَغارا

* * *

يا غريبَ الدارِ وجهاً
ولساناً، واقتدارا

ومُزيرَ الناسِ أطيافاً
وإنْ شطَّ مَزارا

قَرَّ في ضحضاحةٍ كالسيل
ينصَبُّ انحداراً (14)

لا تُشِعْ في النفسِ خُذلا
ناً وحَوِّلهُ انتصارا

لو تشاءُ الحقَ لاستوفى
بك الرِيحُ الخَسارا

أَحْصِ ما ساقَطْتَ من
مُثمرةِ تَرضَ الثُمارا

أنتَ شِئتَ البؤسَ نُعمىً
ورُبى الجنَّاتِ نارا

كنتَ حرباً والليالي
واللذاذاتِ الكِثارا

شئتَ أن تُحرَمَ من
دنيا، ترضَّتْك مِرارا

شئتَ أن تهوَى الذي
غَيْرُك سَمّاهُ انتحارا

شئتَ كيما تمنحَ الثورةَ
رُوحاً أن تُثارا

اختياراً شئتَ ما الناسُ
يشاؤون اضطرارا

كنتَ، لولا ذمةٌ ، تملِك
في الأمرِ الخِيارا

عبَّدوا دربَك نَهْجاً
فتعمَّدْتَ العِثارا

وتصوَّرت الرجولاتِ
على الضُرِّ اقتصارا

لم تكنْ فذَا ولا كانَ
لك البؤسُ احتكارا

أنت من بؤسِ الملايينِ
تُخِيِّرتَ اختيارا

كنت للمَقرورِ ناراً
ولضِلِّيلٍ صُوارا (15)

كنت عن جيلٍ تبنتْكَ
رزاياه شِعارا

لو خَلا من صورةٍ
أنتَ عليها لاستعارا

يا غريبَ الدار مَنسياً
وقد شعَّ ادِّكارا (16)

عاش والناسَ كما عاشَ
غريمانِ ضِرارا (17)

ذنبُه أنْ كان لا يُلقي
على النفس سِتارا

إنَّه عاش ابتكارا
ويعيشون اجترارا

زمناً حتى إذا الموتُ
طواه فتوارى

واستبدَّتْ ظلمةُ القبرِ
به .. عاد مَنارا

أسرجوا "الاكليلَ" غارا
يستجِدُّون فَخارا

ويُضيفونَ إلى عارٍ
من الخِسَّةِ عارا


(10) بنات الدهر: مصائبه.
(11) النقع: الغبار.
(12) المنيبون: الذين يعفون.
(13) الأوار: شدة النار.
(14) الضحضاح: القليل الماء.
(15) صوار بالضم والكسر: ملجأ.
(16) شع ادِّكارا: يريد شاع ذكره.
(17) عاشا ضِرارا: كالعدوين يضر الواحد الآخر.