المستنصرية ..
* ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم في 19 تموز عام 1960 لافتتاح "المستنصرية" بعد ترميم بناياتها، فأصبحت متحفاً ومزاراً.
* نشرت في جريدة " الرأي العام " العدد 485 في 20 تموز 1960.
أعدْ مجدَ بغدادٍ ومجدك أغلبُ
![]() وجَدِّدْ لها عهداً وعهدكَ أطيبُ
![]() وأطلع على المستنصرية كوكباً
![]() وأطلعته حقاً . فإنك كوكب
![]() كأنّ على بغداد مما أفضتَه
![]() من المجد أذيالاً من التِّيه تُسحب
![]() محافلها مَلقَى . وغُرُّ قِبابِها
![]() نَشاوى . ومثَوى سفحها مُتوثب
![]() أقمتَ بها عزاً عريقاً مكّعبا
![]() وكان بها ذلٌّ عريق مُكعَّب
![]() فَمنْ مُخبرُ المستنصرية أننا
![]() نعودُ إليها من جديد وندأب
![]() حنانيك إن الدهر يطفو ويرسُب
![]() وإلمامة الدنيا تجيء وتذهب
![]() وأن نُثاراتِ الحضاراتِ منبعٌ
![]() يفيض وفي الأرض السبيخةِ ينضب
![]() وفي أمسِ كان الشرق للنور مطلَعاً
![]() فحوَّله عنه إلى الغرب مَغرِب
![]() وها هي نحو الشرق تَلوي رقابَها
![]() شُموسٌ عن الغرب التعيس تَنكَّب
![]() أعدْ رونقَ المستنصرية إنَّه
![]() لرونق بغدادٍ إطارٌ مذَهَّب
![]() تقطَّعتِ الأسبابُ إلا وشيجةً
![]() من الفن للذكرى بها نتسبب
![]() * * *
![]() ويا ربَّ تموزٍ نزلتَ بليله
![]() على السَحَرِ الريانِ ناراً تَلهَّب
![]() بأسحار بغداد تغنَّى عوالم
![]() وذكرك من أسحار بغدادَ أعذب
![]() وأسودَ داجٍ كالغراب كسوتَه
![]() غُبار السرايا فهو كالنسر أشهب
![]() وقفتَ به التاريخَ تحصي ثوانياً
![]() بها رحت تُملي والمقاديرُ تكتُب
![]() عجيب مدى النصر الذي اجتزتَ حدَّه
![]() وتوقيتُك النصرَ المؤمَّلَ أعجَب
![]() وكان لك الجيشانِ جيشٌ مدرَّبٌ
![]() وآخرُ أقوى منه قلبٌ مدرَّب
![]() وما السيف إلا آلة خلفها يدٌ
![]() وخلفهما عزم يُهمَّ ويضرِب
![]() * * *
![]() أبا كلِّ حر لا أبا الشعب وحدَه
![]() إذا احتضن الأحرارَ في أمةٍ أب
![]() هنيئاً لك العيدُ الذي أنت رمزُه
![]() بذكرك يستعلي وباسمك يَطرَب
![]() أعدْ مجدَ بغدادٍ تُعدْ مجدَ أمة
![]() به الكونُ يزْهَى والحضاراتُ تعجَب
![]() وأرجعْ لها في شمس تموزَ حِقبةً
![]() إذ الشمسُ عن أمصارها ليس تغرُب
![]() عمومتُها فينا كُلَيبٌ وائلٌ
![]() وأخوالها منا إياد وتَغلِب
![]() ورائدُها عبد الكريم بنُ قاسمٍ
![]() يباركُ يومَيه الحُسين ومُصعَب
![]() كأنك أهداكَ المثنَّى وخالدٌ
![]() حُسامَيهما والأصغريُّ المهلَّب
![]() لها بالفراتِ السَمحِ حِضنٌ يَلفُّها
![]() وعند الجبال الشُمِّ خضراءُ منكِب
![]() يمُدُّ الخليجُ الرافدين وبحرهُ
![]() وبرُ الشام الكوفتين ويثربُ
![]() * * *
![]() أعدْ مجدَ بغدادٍ فبغدادُ روضةٌ
![]() لدى مَوسم تَذوي وآخرَ تعْشب
![]() يَضُرُّ بها جدَبُ الرجال فتُجدِبُ
![]() ويُنعشها خِصبُ النفوس فتُخصب
![]() وها هي من ألفٍ تَصْرَّمنَ تشتكي
![]() بأن لم يَلُحْ عبدُ الكريم وتعتَبُ
![]() كأن الربيعَ الطلقَ من هذه الربى
![]() يُجَرّ على الكون الرَحيب ويُسحَب
![]() هُنا انسابت الدنيا وراحت عُصارة
![]() من الفكر في كأس من الضاد تُشرب
![]() وأضفَى على شرقٍ وغربٍ صباغَه
![]() سَنى شَفق في دجلةٍ يتذوَّب
![]() بباريسَ لون أريحيٌ مَهَذبُ
![]() وفي الصينِ لونٌ فلسفيٌّ مُسبَّب
![]() هنا استُنَّ إيمان وفاضَ تسامحٌ
![]() وقرت حَزازاتٌ وأودَى تعصُّب
![]() تعارضَ بالإسجاح رأيٌ وآخرٌ
![]() وخُولِفَ بالإيثار فكرٌ ومذهب (1)
![]() ولم يُحْتَجزْ رهناً لغاوينَ يعَرُبٌ
![]() أبو كلِّ من حامَى عن الضادِ يعرُب
![]() |
(1) الأسجاح: السماح.
المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م
الصفحات: 1 2