في وادي الغرباء.


(أجارتا إنا غريبان ها هنا …
وكل غريبٍ للغريبٍ نسيبُ) .
—-*—-
إلى مقبرة الغرباء
أحمل إليك أزاهيري
أسأل عن ضريح الكبرياء
يقهقه الحارس مع الخيلاء
يضحك
يضحك
يضحك
نحن هنا كل يومٍ ندفنُ
غريباً بلا اسم
غريباً بلا رقم
غريباً بلا وجه
غريباً بلا وطن
غريباً بلا كتب
غريباً بلا شعر
فالغرباء يموتون في الزمن الوغد .
***
أبا فرات
طفت الدنيا بغربتنا
أنزلتنا في كل حي
ألجأتنا إلى كل دولة
أوردتنا كل مورد
بعتنا كل عقيدة
ساومتنا على كل عقيدة
حملنا معك كل الجنسيات
فكلنا عراقيين
وكلنا سوريين
وكلنا بلغاريين
وكلنا سوفييت و ماويين
وعدنا مذهبيين
توقفنا برهة أردنيين
حططت الرحال في الشام
فصرنا شاميين
عبرت وادي الغرباء
فمتنا معك ، أبا فرات
فالغرباء يموتون في الزمن الوغد .
***
أبا فرات …
يصفح الغضب عن الشعر
ولا يصفح عن الغرباء
أبا فرات …
مدحت … هجوت … هجرت …
صالحت …أحببت … كرهت …
فغفروا لك …
فأنت أبو الشعر
وأنت أبو فرات
وأنت أبو الزمان
وتنبقى أمتك من الغرباء
مدحت فأبتذلوها
هجتَّ فعاقبوها
سالمت فاعتزلوها
غرباء نحن في المنفى
غرباء نحن في الوطن
غرباء في وادي الغرباء
هكذا يموت الغرباء في الزمن الوغد .
***
أبا فرات …
يصمت الشعر في زمن الكلام
يحار الشعر في زمن الأوهام
نقرأ فنزداد جهلاً
نسمع فلا نفهم
نرى فلا نصدق
نقول شعراً في السلام
فيعاتبنا المفاوضون
نقول شعراً في الحرب
فيحاربنا المسالمون
نصمت فيغضب الغاضبون
يفيض الفرات في وادي الغرباء
فالغرباء يموتون في الزمن الوغد .
***
أبا فرات …
يا آخر بدوي في العرب
يا آخر امريء القيس
يا آخر شعراء المعلقات
يغفر لك الإسلام جاهليتك
ويصالحك العرب على فصاحتك
فبك خُتمت فصاحة الشعراء
وبك خُتم لسان العرب
فالشعر بعد سطورٌ في جريدة
والشعر بعدك سَقم في قصيدة
أبا فرات …
أحمل أزاهيري إليك
من غريبٍ إلى غريب
يقول لي الحارس :
لا اسمٌ لديه لك
فهكذا يموت الغرباء
هكذا يرحل الشعراء
فنحن في الزمن الوغد .


المصدر : جريدة الشرق الأوسط 28/7/1997