يا غريب الدار.

يا غريب الدار …
* نظمت في براغ خريف عام 1962.

من لِهَمٍ لا يُجارى
ولآهاتٍ حَيارى

ولمطويّ على الجمرِ
سِراراً وجِهارا

طالباً ثأراً لدى الدهرِ
الذي يطلُبُ ثارا

مَنْ لناءٍ عاف أهلاً
وصِحاباً، وديارا (1)

تَخِذَ الغربة دارا
إذ رأى الذُلَّ إسارا

إذ رأى العيشَ مداراةَ
زنيمٍ لا يُدارى

من لِستينَ انْطوَتْ مثل
دمِ العبد جُبارا (2)

سُوقِطت رجماً كما يرمي
الملبّون الجِمارا (3)

* * *

يا غريبَ الدار لم يُخْلِ
من البهجةِ دارا

لم يدعْ طيفاً يواسي
مقلةً إلا أزارا

يمنح الشجوَ الثكالى
وشذا الحبِ العذارى

يا نديماً يعصر الخمرةَ
ليلاً ونهارا

ويُساقي من دمِ القلبِ
أخا الهمِ عُقارا (4)

تأخذ النشوة منه
ثم تنساهُ السُكارى

* * *

يا أخا الفطرةِ مجبولاً
على الخيرِ انفطارا (5)

وأخا البسمةِ ضاهتْ
بسمةَ الفجرِ افترارا

مسحت عن أوجهٍ عاثَ
بها البؤسُ اغبرارا

تحتها من غُصصٍ
ما يوسعُ القلبَ انفجارا

يا جواداً شاب كهلاً
فَرْطَ ما خاضَ المغارا (6)

يا سَبوحاً عانق الموجةَ
مدّاً وانحسارا

لم يُغازلْ ساحلاً منها
ولا خافَ القرارا

يا دجيَّ العيشِ إن يَخْبُ
دجى الناسِ أنارا

يا وديعاً ينفض الموتَ
بنعليه غبارا

يا بنَ "ستّينَ" يعدُّ
العمرَ للروح إطارا

غمرةُ خُضْها كما
خُضتَ ابن "عشرينَ" غِمارا

يا غريبَ الدارِ ناغِ الشعرَ
يَمحَضْكَ الحِوارا

النديمُ السمحُ إنْ
راوغَ ندمانٌ وجارا (7)

أحرفٌ عِشتَ وإياهن
عُسْراً ويَسارا

أنت والهمُ اعتسافاً
وطِماحاً تتبارى

أبداً تقدَحُها قدحَكَ
في الزَندِ الشرارا

يا غريبَ الدارِ كم نبعٍ
تطامى ثُمَّ غارا (8)

غيرَ نبعٍ كلَّما
فجَّرته دارَ فدارى

يا غريب الدار لا تأْ
سَوإن ضِقْتَ اصطبارا

خُلِقتْ عيناك كي
تعترفا النومَ غِرارا (9)

وضميرٌ راح من
جسمك يمتصُ اعتصارا

كنت منه مثلما المِعصمُ
إذْ يشكو السِوارا

كان من خَلقِك خلقاً
فهو لا يقوى فِرارا

كان كالمِحوَرِ
ما طابقتِ الدورة دارا


(1) عاف: ترك.
(2) دم جُبار: هدر لم يطلب بثأره.
(3) الملبون: الحجاج.
(4) العقار: الخمر.
(5) مجبول: مخلوق.
(6) فرط: لكثرة.
(7) ندمان: نديم.
(8) تطامى: مرتفع.
(9) اعترف: يريد عرف. غرار: قليل.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م