سجا البحر.

 ذكريات من اثينا …
         سجا البحر …
* نشرت في ملحق جريدة " الجمهورية " العدد 3048 السبت 27 آب 1977.

سجا البحرُ وانداحَتْ ضفاف نديّةٌ
ولوّح رضراض الحصى والجنادلِ (1)

وفُكَّتْ عُرىً من موجةٍ لصقِ موجةٍ
تَماسَكُ فيما بينها كالسلاسل

وسُدَّتْ كُوىً ظلّت تسدُّ خصاصها
عيونُ ظباءٍ، أو عيونُ مَطافل (2)

ولفّ الدُجى في مُستَجدِّ غُلالةٍ
سوى ما تردّى قبلَها من غلائلِ

سوى ما تردَى من مفاتِنِ سَحرةٍ
وما جرَّ تِيهاً من ذُيول الأصائلِ

وما حملَ " الاصباحُ " شوقاً إلى الضُحى
من الوَرَقِ النَديان أشهى الرسائلِ

وخَيّمَ صَمتٌ فاستكنَّتْ حَمائمٌ
وقَرَّ على الأغصانِ شَدوُ البلابلِ

تَثاءبَ " أملودٌ " ولُمتْ كَمائمٌ
ودبَّ فتورٌ في عُروقِ الخمائلِ

وخُولِطَ لونٌ في شَتيتٍ مَخَالفٍ
لما يتراءى أوْ شبيهٍ مُشاكِلِ

كأنَّ الدُنى مَلَّتْ تَدلِّي شخوصها
بوضح السّنى فاستُبدِلتْ بالمخايِلِ

رؤى تستبيحُ الجِنُّ في صَبواتها
بها ما بنى إنسيها مِنْ هَياكِلِ

* * *

سَجا البحرُ حتى لا تُعيدُ ضِفافُه
صدى رَعَشاتٍ مُتعَباتٍ قَلائِلِ

وحتى ليبدو – في غرابةِ حالِهِ
وغربتِه – عن نفسِه جِدَّ ذاهلِ

وطال عليه في عبوس دُجُنَّةٍ
ترقُّبُ "ضحاك" من الشرق قابل (3)

ولم تبقَ إلاّ وثبةٌ من مُصابرٍ
ضعيف القُوَى كالمُقْعَدِ المتحامِل

فيا لكَ طَلْقاً رهنَ أسيانَ موحشٍ
ونابهَ ذكرٍ في خفارةِ خامِلِ

* * *

خلا الربعُ مأنوسَ الرّحابِ وأقفرتْ
ملاعبُهُ من " زغردات " الهلاهل

وماتتْ به الأصداءُ، وارتدَّ لاهثا
هُتافُ الصبايا كالخيولِ الصواهلِ

وجفّت رِمالٌ " للمسابحِ " بللت
شفاهاً عَطاشَى من " عِذاب " المناهلِ

وأعولَ مهجور " المساحب " وانطوت
منازلُ " غيدٍ " عامراتِ المنازلِ


(1) سجا: سكن. انداح: اتسع. الرضراض: ما دقّ من الحصى.
(2) الخصاص بالفتح: الخروق الصغيرة كخروق المصفاة. المطافل والمطافيل: الظبية أو الناقة معها صغارها.
(3) الدُّجنة: الظلمة. تحامل على الشيء: تكلفه على مشقة. والضحاك: الخرافي الذي قيل أنه ملك الأرض ويقال له الضحاك بن عدنان.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السابع-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1980م