قادماً من الرياض نحو جدة ، ثم نحو …
لا أذكر التوجه ولكن، أذكر فقط، أنني في طريق العودة إلى الجزائر.
كنا نشكل في الجنادرية بالرياض، شبه لجنة مركزية لحزب يساري يخرج من شرنقة السرية إلى العلنية، مهدي الجواهري، عبد الوهاب البياتي، لطفي الخولي، محمود أمين العالم، الطاهر وطار ورفاق آخرون، نسيت أسماءهم.
لم أظن في أية لحظة من اللحظات أن الإخوة بالمملكة دعونا بهذا الحجم للانتقام منا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فهم بقطع النظر عن عدم حاجتهم لهذا، أعقل من أن يضيعوا وقتهم في مثل هذا العبث.. لعلهم أرادوا أن نساعدهم في مواجهة عدو ما أو خصم ما، ظلوا طوال تواجدهم يرعونه.
كل هذا لا يهم.
لم يفتشوا حقائبنا داخلين فمرت عشرات الكتب، ولم يطلبوا منا شيئا مقيمين، ولم يضعونا تحت المجهر متحركين.
كان بيننا حوار صامت.
نحن ما نحن، أنتم ما أنتم، ولا إكراه في الرأي.
على ما فهمت، أو قل أفهمت نفسي، "نحن" اللجنة المركزية، كنا منساقين بالاعتداد بالنفس، ثم بالتحدي ثم بالفضول ثم.. لربما.. برغبة الحوار مع الآخر.
أما هم، فلم يخرجوا عن نطاق الاحترام.
لم أنزعج لسعال البياتي الرخو، ونحن ساهرين في ضيعة خيالية، كل محتوياتها ومأكولاتها ومشروباتها خيالية، فالبياتي بالنسبة للجواهري يعتبر شابا.
ولكن … قادما من الرياض نحو جدة ولم نكن سوى ثلاثة في الطائرة، محمد مهدي الجواهري، وابنه وأعتقد أنه فرات، والعبد لله.
رأيت الموت في عيني الجواهري.
رأيت استغاثة المغلوب على أمره.
رأيت الشعور القوي بحاجته إلى المكان.
فمات أبو الفرات خارج العراق ومات البياتي خارج العراق، ولا أدري ما إذا كنا نموت حاليا خارج الزمان وفي مكان يسخر منا.
ط.وطار
المصدر : مجلة التبيين http://www.aljahidhiya.asso.dz/Revues/Default.htm