حبيبتي .

إنّى وعينيكِ لا أُمْنَى بداجيةٍ
إلا وأنتِ ليَ الإصباحُ والفلق (36)

سألتِني أمسِ في نجوَى يَهُزُّ بها
خوفَ النهاياتِ مَنْ هاموا، ومن عَشِقوا

علامَ يُجمعُ في إبّانِ غَفْلتِهِ
شَمْلٌ وإذ يزدهيهِ الوعيُ يفترق

حبيبتي ما يزالُ السرُّ في عَمَهٍ
على أسارَى بأنيابِ الرّدَى عَلِقوا (37)

تقحّموا عالَماً غُمّتْ مصايرُهُ
كأنّهم من مَصيرٍ غيرِه سُرِقوا

لا يستطيعون فكّا منْ محاورِهِ
إلا إذا اسطاعَ فكَّ المَحْجِر الحَدَق

من كلِّ مستَغْفَلٍ خُطَّتْ منيّتُهُ
عليه ليلةَ وافى أمَّهُ الطَّلَق

وإن عجبتِ فمن " معلوفةٍ " درجَتْ
ترعى " الهشيم " ويُستَبْقَى لها رَمَق

جيلين في قبضة الجزّارِ لا أمِنَتْ
على الحياةِ، ولم تُضْرَبْ لها عُنُق

نقائضٌ يرسُفُ العقلُ الطليقُ بها
وإن تفلسف أقوامٌ، وإن حَذَقوا (38)

أَوْلاَن ففيمَ عفاريتٌ موكّلة
بالموتِ ما رَعَدوا فينا وما بَرَقوا

وفيمَ زهوُ الصِّبا واللطفُ يسحقه
والحبّ، والخيرُ عاتٍ سادرٌ نَزِق

تقلَّص الجهلُ حتى دقَّ مَفْحَصُه
وسُمِّنَ العلمُ حتى كاد ينفلق

واصّاعد الفِكرُ حتى الكونُ في رَهَجٍ
به، وحتى نسيجُ الكونِ منخرقُ

وما يزالُ الأذى، والبؤسُ مرتهنا
والحقدُ والخبثُ والإدقاعُ والقلقُ

وما تزال حضاراتٌ مشعشِعَةٌ
في قبضة الذرّ وحشاً يوم ينطلقُ


(36) الفلق: الصبح أو الفجر.
(37) علقوا: تعلقوا.
(38) يرسف: يمشي مثقلا مشي المقيد.