* نظمت في طنجة عام 1974 تحية لشعب المغرب وجيشه في أبان اشتداد أزمة الصحراء المغربية لانتزاعها من يد الاستعمار الأسباني.
* ألقيت في الحفل الذي أقيم للشاعر في القاعة الكبرى بمسرح " محمد الخامس ".
* نشرت في مجلة " المناهل " المغربية، العدد الأول السنة الأولى تشرين الثاني 1974.
صحراءُ فجرُكِ موعودٌ بما يلدُ
![]() والمغربيّون أكفاءٌ بما وَعَدوا
![]() على جبينِكِ من نضحِ النُّجوم ندىً
![]() وفي رمالكِ من حبّاتِها نَضَدُ
![]() وأنت، من وطنٍ يُصفيك مهجتَه،
![]() دمٌ بتامورِه تُستْصلح الكبدُ (1)
![]() صحراءُ يا حسرةً مكمودةً عَنَتاً
![]() مهلاً فكم فرحةٍ وافى بها كَمَدُ
![]() ستَحْمَدين على العُقبى حلاوتَها
![]() كما تَقَطَّرَ بعد العلقم الشَّهَدُ
![]() لابدّ فوقَك يوماً خافقاً عَلَمٌ
![]() يضُمّ شملَ بنيه أينما وُجدوا
![]() يَحمون ساريةً تُعليهُم شَرَفاً
![]() وَرفْرفا منه يُدنيهم إذا بَعُدوا (2)
![]() صحراء، كم رثّةٍ ضمّت معالمُها
![]() ما ينفعُ الناسَ خيلتْ أنها زَبَدُ
![]() حتى إذا بان لمحٌ من معالمِها
![]() مُدّت إليها من السِّتّ الجهات يدُ
![]() صحراء، لا يعدِل الدنيا وزُخْرُفَها
![]() إلاّ النقيانِ منكِ: الروحُ والجسدُ
![]() * * *
![]() ساءلت نفسي بما يَعيا الجوابُ بهِ
![]() وما أُريدُ له عذراً فلا أجدُ
![]() ما بالُ " مدريد " تشكو العُسْر مِعْدتُها
![]() وتستزيدُ بما لا تهضمُ المِعَدُ
![]() أتشربُ البَحر في حُلقومِها عَلَقٌ
![]() وتقضَمُ الصخرَ في " أسنانها " دَردُ
![]() ويسخرُ الخلقُ منها إذ يرى عَجَباً
![]() صحراءَ مَزروعةً بالموت تُزدردُ
![]() فرّتْ بأجنحةٍ شُدّت بجانِحها
![]() فلتنفردْ نحونا إبّانَ ينفردُ (3)
![]() لنا غدٌ يتحدى الطامعين بنا
![]() وعندها ما يُسرّ الطامعين غدُ
![]() لم يكْسُنا الزهوَ أيامٌ بها سَلَفَتْ
![]() فهل ستُبْطِرُها أيامُها الجُددُ
![]() لنا عليها من " الحمراءِ " شاهقةٌ
![]() لم يُلف أروعَ منها زينةً وَتِدُ
![]() كَأنها في رُبى " غِرناطةٍ " شَفَقٌ
![]() مدى الأصائل باقٍ سِحرُه أَبَدُ
![]() تَزيد عن كل ما أبقى تُراثُهُمُ
![]() وإن همُ انتقصوا منها ولم يَزدوا
![]() يبني الحضاراتِ عجلانٌ يزخرفُها
![]() فتُستَردّ، ويعليهن مُتّئِدُ
![]() عوّذتُ شعْبَكِ يا مدريدُ من نَكَدٍ
![]() لو لم يكن من صنيع الساسةِ النَّكدُ
![]() قد شدّ ساعدُنا المبسوطُ ساعدَه
![]() لو ارتخى عنه حبلٌ مُبْرَمٌ مَسَدُ (4)
![]() وخيرُ مَنْ مجَّ طعمَ الاضطهاد فمٌ
![]() ما انفكّ يَسقيه كأسَ الذلّ مضطهِدُ
![]() من مبلغُ السادة العُميانِ أَرْهَقَهُمْ
![]() حِرمانُهُمْ، وتَعاصَتْ فيهم العُقَدُ
![]() عَموا ومذ بَصُروا بالدَّربِ مشرعةً
![]() صَمّوا، فما افتقدوا شيئاً ولا وجدوا
![]() إنّ الليالي عجيباتٌ بها حَرَنٌ
![]() لمُسْلِسينَ، وأسلاسٌ لمن صَمَدوا
![]() مشى عليهمْ فهم في قَعره صببٌ
![]() ركبٌ من الدهر حثٌّ سيرُهُ صُعُدُ
![]() وما يحول الضَحى لوناً ولا شِيَةً
![]() ولا السماءُ ولا الصبحُ الذي تلدُ (5)
![]() وإنما هي صفوٌ عند ذي بَصَرٍ
![]() صافٍ، وربداءُ في عينٍ بها رَمَد
![]() |
(1) التامور: خلاصة الدم.
(2) السارية: العمود الذي يرفع عليه العلم.
(3) الجانح: الضلع.
(4) مسد: ليف.
(5) شية: علامة.
المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السادس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1977م