الصحراء في فجرها الموعود .

يا حارس الوطنِ المرهوبِ جانبُهُ
عليه مما بنى تاريخُهُ رَصَد

وراكزَ الراية " الخضراءِ " خافقة
على الصُّفوفِ زهاها العدّ والعُددُ (6)

فاءتْ إليك بما ضمّت وما تلد
كما يفيءُ لظلّ الوالدِ الولدُ

صحراءُ يُوحشها عيُّ الذئاب بها
وتَطَّبي سمْعَها أن يزار الأسد (7)

غضبانَ رُدّت على اليافوخ عُفْرَتُهُ
وارتجّ غيظاً على أكتافه اللِّبد(8)

ينهى لمن كان في سهل وفي جَبَل
ألاّ يحوم حوالَيْ غابِهِ أحد

واستشفَعَتْ بكَ للسُّقيا مطامِحُها
محلآتٍ عن الحوض الذي تردُ (9)

واستنجدتْ بك أن تحصي مصايرها
بذاك عوّدها آباؤك النُّجُدُ (10)

تمضي على سَنَنٍ منهم وعن ثقةٍ
وملتقى فرقدٍ عن فرقدٍ صَدَد (11)

* * *

شهِدتُ يومَك مِرنانَ الصّدى عَرماً
يحتجّ من سمِعوا عنه بمن شَهِدوا (12)

غامت، كما اسودّ كانونٌ، سماوتها
ولحتَ فيها كضوءِ الجَمْر تتّقدُ (13)

شهما تُنفِّضُ عن بُرديكَ غُبْرَتَها
وقد توالت بناتُ الدهرِ تحتشد (14)

وكان فَصْلَ خطابٍ، فيه ملحمةٌ
من البيان، وفيه الهَدْيُ والرشد

ما كان أبرعَهُ مزجاً تصبُّ به
مُرّ الوعيد على حُلوٍ بما تَعد (15)

شَهَرْتَ أمضى سلاحٍ لا يقومُ له
لا المرعداتُ، ولا المحميّةُ الزَّرَد (16)

ما أعظم الشَّعْبَ يرمي عن كواهلهِ
عِبْءَ الخلافِ لدى البلوى ويتّحد

زففت بالعودة البُشرى لتُربتها
ومَنْ عليها، فكلٌّ صادحٌ غرِدُ

أنعشت منها فؤاداً ظلَّ محتبساً
لدى الدخيل كئيباً فهو يُفتأدُ (17)

صحراءُ محزونةٌ أن يَستبدَّ بها
نوىً فتفقِدُ من تهوى وتُفْتَقَدُ

وأن تُغادَرَ أوصالاً ممزَّقةً
وأن يُطَنَّ لها عن ساعدٍ عَضُد (18)

غمّت عليها رؤىً كانت تطوفُ بها
جَذْلى من الوطن الغالي وتَنْعَقِدُ

تمتدُّ بالعينِ حتى لا مَرَدَّ لها
ولا مسافٌ، ولا بُعدٌ ولا أمدُ

وبُدِّلت غبشاً أطيافُ بهجتها
كما تُبدَّلُ بؤساً عيشةٌ رَغَدُ

كانت تلمُّ عناقيداً معرشة
من النجوم بمرج معشبٍ تَقِدُ (19)

وتَسْتريحُ إلى نَجْوى الرياحِ بها
تخالُها صوبَ أرضٍ حلوةٍ تَفِدُ

واليوم واحاتُها قفرٌ، ونَسْمَتُها
صَرٌّ، وكلُّ مسيلٍ فوقَها جَمَد (20)

ولم أجِدْ كسليبِ الأرضِ حاردةً
محمومةً، بالدم الحرَّان تبترد (21)

تُسقى، وتُسقى وما تنفكُّ عاطشةً
وليس ينفكُّ من يسقى ومن يَرِدُ

حتى إذا استُرجِعَتْ عادت بشاشتُها
وعاد زهوَ الحياةِ العابسُ الحرِدُ


(6) حارس الوطن في البيت السابق، وراكز الراية في هذا البيت: إشارة إلى الجيش المغربي.
(7) عيّ الذئاب: عواؤها. تطّبي سمعها: تصرفه إليه وتصيخ.
(8) العفرة: شعرة القفا من الأسد. اللبد: جمع لِبدة.
(9) محلآت: ممنوعات ومطرودات.
(10) النُّجُدُ: الشجعان.
(11) الصدد: القرب. والفرقد: النجم الذي يُهتدى به.
(12) مرنان: رنان. العرم: الشديد.
(13) الكانون: الموقد.
(14) البرد: الثوب. وبنات الدهر: نوائبه.
(15) الوعيد: التهديد.
(16) لا يقوم له: لا يقف أمامه ولا يصمد. والزرد: الدروع.
(17) يُفتأد: يصاب في فؤاده. والدخيل هنا المستعمرون الأسبان.
(18) أطنُ: قطع.
(19) تقد: من وقد أي: تتقد.
(20) صَر: ريح شديدة.
(21) حاردة: غضبى.