الصحراء في فجرها الموعود .

مشى إليكِ يُجِدُ البَيْعَةَ البلَدُ
عليكِ في الخطب بعد الله يعتمدُ (22)

يُلقي بأثقلِ حملَيْهِ على كَتدٍ
من عاتقيك إذا ما خانه كَتَدُ (23)

واستعصمت بك أحزابٌ وقادتها
يلتفّ مقتربٌ منهم ومبتعدُ

عيدُ الإخاء جلا الباغونَ بهجتَهُ
لو جاز حَمْدُ بُغاةٍ مثلِهمْ حُمِدوا (24)

عقائدٌ ورسالات تُلِمُّ بها
رسالةٌ يومَ لأْواءٍ ومُعْتَقَدُ (25)

اليومَ ما اجتهدت صماءُ قارعةٌ
وفي غد فلهم فيه وما اجتهدوا (26)

مستأمَنون على خير البلادِ مشت
للمشرقَيْنِ على أيديهِمُ بُرُدُ (27)

أيدٍ تلاقت وأضحت في الجهاد يداً
تشتدُّ بالحسن الثاني وتعتضد (28)

لهم وللناسِ والأوطانِ ما زرعوا
على البسيطة من خيرٍ وما حصدوا

وبورك الأمر شُورى يستقيمُ به
على عِثار الليالي نهجُه الجَدَدُ (29)

وما الكميُّ على جيشٍ يصولُ به
مثل الكميِّ غداةَ الرَّوع ينفرد (30)

* * *

أبا محمد سَمعاً جرس مألكةٍ
سمحاء لا زيغٌ فيها ولا أودُ (31)

من واقفٍ في سبيل الناسِ مُهجتَه
في حبّهم يستطابُ الأينُ والسُّهُد (32)

لم يعرف الدهرَ لا حِقداً ولا حَسَداً
وإن تشفت به الأحقاد والحَسَد

أفرغت جُهْدَك في التبليغ ما اتسعت
له العُلى، والنّهى، والحلم، والجَلَدُ

فحسبُكَ اليوم منه ما أبنت به
للكون شوكةَ عزٍّ ليس تُخْتَضد (33)

واعمِدْ لأُخرى بما تُنْهي مناجِزةً
ليس الخصام بمنهيها ولا اللَّدَدُ (34)

إن الطغاة إذا لاينتَهم بطروا
مثلَ الصغارِ إذا دلّلتَهُمْ فسدوا

ومنطق الحق مشلولٌ، ومُصْطَلَحٌ
خزيانُ، مُضطَهِدٌ عاتٍ ومُضطَهَدُ

لابدّ من جالةٍ تنجابُ غمرتُها
عن صامدين على حق بما وعدوا

فخل جندَك جُندَ الحق يقحَمُها
وخلّ خيلَك خيل الله تضطرد (35)

وفي حماك صناديدٌ يضيق بهم
دِرعُ الجلادِ ويغشاهم إذا اجتلدوا (36)

سمرُ الوجوهِ شدادٌ من شكيمتهم
ظلٌّ على التربة السمراءِ يَنعقِد (37)

من كلّ منفتل الكشحين محتربٍ
ينسلّ كالسيف عرياناً وينجرد

لم تأل خيفةَ أشباحٍ مغاربةٍ
فرائصٌ من بني صهيونَ ترتعد (38)

فَصِّد دماً مغربياً لا كِفاءَ له
بين الدماء زكياتٍ ولا قَوَد (39)

دماً يَسيلُ على سوحِ الندى سَرَفأ
وإنه مثلَ دمع العين يُقْتَصَد

فصِّدْه تُنْجِد به الصحراءَ في غدها
عرقاً بأمس على الجولان يُفْتَصَدُ

* * *

يا ناثرين على البلوى نفوسَهُمُ
طوعاً، فهم كِسَرٌ في سوحها قِصَدُ (40)

يهدون للشرق أرواحاً إذا عصفت
بهم وبالموت ريحٌ قرّةٌ صَرَدُ (41)

وزارعينَ على بُعدٍ قُبورَهُمُ
نومَ الغريبِ على الأحجار يتّسد

طَخْياء ملغومةٌ بالرعبِ موحشةٌ
وكلُّ شاهدةٍ نجمٌ بها يقد (42)

نهجتم الدرب سمحاءٌ شريعتُه
بالتضحيات لمن يسعى ومن يفدُ

* * *

صحراء فجرك موعودٌ بما يلد
والمغربيون أكفاءٌ بما وعدوا


(22) يُجِدُ: يجدد.
(23) الكتد: بالكسر والفتح: مجتمع الكتفين. والعاتق: ما بين المنكب والعنق.
(24) البغاة: الباغون.
(25) اللأواء: الشدة.
(26) الصماء: الداهية الشديدة. والقارعة: الأمر العظيم.
(27) البُرُد: جمع بريد.
(28) تعتضد: تقوى.
(29) نهجه الجدد: طريقه السالكة.
(30) الكميّ: البطل. والرّوع: الخوف.
(31) مالكة: رسالة. الزيغ بسكون الياء وحركت للضرورة: العوج والجور عن الحق. الأود: الميل والاعوجاج.
(32) الأين: التعب.
(33) تختضد: تكسر.
(34) المناجزة: المقاتلة والمحاربة. اللدد: شدة الخصومة.
(35) تضطرد: تتوالى.
(36) الصناديد: جمع صنديد وهو الشجاع.
(37) الشكيمة: الأنفة والإباء.
(38) لم تأل: لم تزل.
(39) فصد دماً: أسِل. القود: الدية.
(40) قِصَدُ: كِسَر.
(41) ريح قرة صرد: ريح باردة.
(42) الطخياء: الشديدة الظلمة.