الشاعر المقبور .

* نشرت في جريدة "العراق" العدد 285 في 5 آيار 1921م .

دعا الموتَ فاستحلتْ لديه سرائرُهْ
اخو مورد ضاقت عليه مصادرُهْ

عراه سكوتٌ فاسترابت عُداتُه
وما هو إلا شاعرٌ كلَّ خاطره

وحيدًا يحامي عن مبادئ جمةٍ
اما في البرايا منصف فيوازره

تفردّ بالشكوى فاسعده البكا
لقد ذلَّ من فيض المدامع ناصره

يهم يبّثُ النجمَ سراً فينثني
كأنَّ رقيباً في الدراري يحاذره (1)

وتُنطقه الشكوى فيُخرسُه الأسى
فيسكت لاحيه إذا جدَّ عاذره

يروم مُحالاً أن يرى عيش ما جد
أوائلهُ محمودة وأواخره

فؤادي وإن ضاق الفضا عنه فسحة
فلابد أن تحويه يوماً مقابره

فؤادي وكم فيه انطوت لي سريرةٌ
عظيماً أرى يبلى وتَبْلى سرائره

سيحمل همي عند منزل وَحدتي
وتصبح آمالي طوتها ضمائره

فيا طير لا تسجع ويا ريح سكنّي
هبوباً على جسمي ليسكن ثائره

ويا منزلَ الأجداث رحمة مشفق
عليه ففيك اليومَ قرت نواظره

ويا بدرُ مَن سامرتَهُ وجدَكَ انقضى
فمن لك بعد اليوم خِلٌّ تسامره ؟

عساك إذا ضاقت بصدرك فُرجةٌ
تُطالعه في رمسه فَتذاكره

ويا خُلةَ الباكي عليه تصنعاً
ألم تك قبل اليوم ممن يغايره ؟

تحمل ما ينأى فشاطره الردى
فما ضر لو كانتَ الرزايا تشاطره

ويا غاضبا قلبي لترقيق حرهِّ
سراحاً فقد دارت عليه دوائره

دعا بكَ يستشفي فاغضيت فانطوى
وما فيه إلا الهجرُ داءٌ يخامره

أمنْ بعدد ما وسَّدتَه بِتَّ جازعاً
إذا مات مهجوراً فلا رق هاجره

فيا ظلمةَ الآمال عني تَقشّعي
فقد تتجلى عن فؤادي دياجره


(1) في الأصل : يهيم بلبث .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الأول-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م