محمد البكر .

صدى قَدَمٍ هنا، ومَدِبُّ همسٍ
هناكَ يَشلُّه فزَعٌ مَهولُ

وعُشٌ عافَهُ نَسرٌ مَهيضٌ
يُلَمُّ بهِ على شَعَثٍ نَسيلُ (5)

وألواحٌ كوجهِ الصُّبحِ بيضٌ
يُجلَّلُ بالسوادِ لها فُضولُ

وخيلٌ سابقتْ بَرقاً .. وكادتْ
ولكنْ خانَها لَحظٌ كليلُ

وأرسالٌ من " الفُرسانِ " تَهوي
فيلقَفُهنَّ من " وحش " رَسيلُ

و " أغْرِبَةٌ " على جَدَثٍ، و " رفشٌ "
وأتربةٌ يغص بها المُهيلُ

ولفحُ عَجاجةٍ، ورؤى دُخانٍ
على سفح، ونبعٌ سَلسبيلُ

وحُورٌ يَبْتَرِدْنَ به، وحشدٌ
من " البجعاتِ " أسرابٌ شُكُولُ

وَنَضْحُ " دمٍ " على الجُرفْينِ يُسقى
به زرعٌ، وينتهضُ " النخيلُ "

وسيلٌ يرتمي شفقاً، فَتُدحى
به أرْضٌ، ويَصطبغُ المسيلُ

وتضحكُ غيمةٌ، وتعودُ " جِنُّ "
ملائكةً وتزدهرُ الحُقولُ

* * *

أبا المغوارِ " هيثم " حَوَّطَتْهُ
بإخوتِهِ مَغاويرٌ فحولُ

تَعَزَّ .. ولا يَحُنْكَ كريمُ صبرٍ
وأنتَ لكلِّ مَكرُمَةٍ عَديلُ

يحزُّ النفسَ أنْ يُمسي حزيناً
عرينُكَ أيُّها الأسَدُ الثَّكولُ

ولكنْ ما السبيلُ ؟ وكلُّ حيٍّ
سيقطعُ يومَه هذا السبيلُ

هي الدنيا أساطيرٌ تدولُ
وأفراسٌ مُغَفّلةٌ تجولُ

ودارٌ يَستديرُ بها عَذابٌ
عليه يُصلبُ " الحيُّ " النزيلُ

ومجزرةٌ تُساطُ بها جِباهٌ
وَتَسحقُ عندَها الغُرَرَ الحُجولُ

كَفَيْءِ الشَّمسِ تأكلُنا تِباعاً
بما يتأكًّلُ الظلُّ الظليلُ

و " ذَرّاً " نستطيرُ بها شَعاعاً
ونُمحقُ .. لا المثالُ ولا المثيلُ

وتذبحُنا سُيوفٌ من غُيوبٍ
عَويلُ النائحاتِ لها صَليلُ

* * *

على أنَّ " المصابَ " إذا تلاقتْ
عليهِ الناسُ يَسْهُلُ أو يَحولُ

بكى لمصابكَ الشَّعبُ الأصيلُ
وردَّ على الرَّعيلِ بهِ الرَّعيلُ

وصاحَ يُوزِّعُ الحَسَراتِ ناعٍ
وطارَ بها إلى الدنيا رَسولُ

تَعَزَّ " أبا محمد " إنَّ حُزناً
يُشَارَكُ فيهِ عن ألمٍ بَديلُ


(5) النسيل: الريش الساقط.