أبا الشعر .. تغن بتموز .

* نشرت في ملحق جريدة " الجمهورية " العدد 3329 في 22 تموز 1978 
وقدمتها :
يصحو الشعر العربي حين يكتبه الجواهري الكبير، وبه ، وبالنضال، تؤرخ الأعوام .. وأبو فرات الذي علت قامته، وشمخ به مجد الشعر، يتألق برائعة جديدة في تموز الأغر.. لأن تموز الذي صاهره وتآخى مع مجده، أوقد فيه، هذه الأيام، كل غنى التجربة والموهبة العظمى، فغنى..
وإذ يغني الجواهري، تكون القصيدة انتفاضة حس، ومعنى وصياغة وبلاغة وفكر وتسجيل تاريخ ونضال.. فكانت رائعة الجواهري، " الأغنى والأمتن ".
حين وجد الجواهري نفسه بعد ثمانية عشر عاما، ولأول مرة ، يمضي صيف تموز ببغداد، أراد أن يشارك الثورة أفراحها، في عيدها العاشر..
وعاش بيت الجواهري حالة إنذار فالكبير، يغني أبياته بصوته الرخيم المجلجل، ويمضي الليل يكتب.. على أوراق صغيرة، ويحرق لفائف السجائر، ويعلو ضوء الفجر، والجواهري الكبير مع القصيدة، يصحو، يحدو، يجلجل..
فكانت هذه الرائعة .. التي خص بها " الجمهورية " .. ويشرفنا أن تكون درة الشعر، بهاء الملحق.

أبا الشعرِ قُلْ ما يُعجب الابنَ والأبا
وهل لك إلا أن تقول فتُعجِبا ؟

وهل لك والدنيا تُغنّي بمولدٍ
ل " تموز " إلا أن تُغني فتُطربا ؟

وهل لك عُذرٌ والقوافي تُحيلُها
متى شئتَ " قيثاراً " و " ناياً " مُشبِّبا ؟

* * *

أبا الشعر يا من عانقَ الأرض زهرةً
وشوكاً فردّته أديماً مُخضَّبا

ويا من تَبَنّاه " التمرُّدُ " يافعاً
وكهلاً، ومن ناغى التمرد أشيبا

تَغَنَّ ب " تموزٍ " فتَموّز ماردٌ
تخطّى عقيماتِ العصور وأتعبا

تمادَى به جَدْبُ الليالي ليُخصِبا
وطال به عُسرُ المخاضِ ليُنجِبا

وجاءَتْ به من مشرق الأرض غمرةٌ
عصوفٌ لتستذري به الشمسُ مَغرِبا

تُنصِّبُ " عملاقاً " عليه مَخايلٌ
تُزكِّيه في " العشرين " شيخاً مُجرِّبا

ومدَّ ذراعيه ليَحضُنَ أُمَّةً
تَرَعرَعَ في الأحلام منها تَحسُّبا

وصاعَدَ من أطماحِه فتصاغَرَت
لعينَيهِ أُمّاتُ المطاليب مطلبا

* * *

نَعِمتُمْ صَباحاً قادةَ "البعثِ" أصيَداً
يُسدِّدُ خَطْوَ الصِيدِ منكم وأغلَبا (1)

وذَوبٌ من "الحرف" المُضيء يَصوبُكم
بأعبقَ من صَوْبِ الغمامِ وأطيَبا

وأنداءُ " ريحانٍ " تَضوَّع رَوحُه
وطاب به روضُ " القصيدِ " فأعشَبا

تحيَّةَ من أوصَى بخيرٍ ضميرَه
وألزمه صِدقَ الوفاءِ وأوجبا

تمرَّستُمُ بالحكم لم تترُكوا به
شبا مِضرَبٍ إلاّ تثلَّم مِضرَبا

وقارعتُم الجُلَّى، وقُورعتُمُ بها
ولم تسألوا من ذا يكونُ المُغلَّبا

ووُرِّثْتُمُ "سبعاً وخمسين" لم تُلِح
بغير دم الفادين للركب كوكبا

وحُمِّلتُمُ ثِقلينِ قََسطاً وجائراً
ولم يُدْرَ أيٌّ منهما كان أصعبا

وسايرتُم "تَمّوز" دَرباً تعثَّرَت
به ذكرياتٌ ما أمرَّ وأعذبا

وعانيتُم "خمساً" عُجابٌ شُجونُها
و "خمساً" بما حُمِّلْتَه كُنَّ أعجبا


(1) الأصيد: الذي يرفع رأسه كبراً.والأغلب: العظيم.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السابع-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1980م