أفتيان الخليج .

* ألقيت في "أبوظبي" خلال زيارة الشاعر لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1979 بدعوة من مثقفيها .

أعيذكُ أن يعاصيكَ القصيدُ
وأن ينبو على فمك النشيدُ

وأن تعلو لسانك تمتماتٌ
وأن يتفرط العقد الفريد

أعذك أن تتوه بكل وادٍ
وأنت لكلّ سامعةٍ بريد

فكن كالعهد منتفضاً شباباً
وجَوِّد أيها اليفنُ المجيد (1)

فقد آلى وريدك أن يغني
بحب الناس ما بقيَ الوريد

وقائلةٍ أما لكَ من جديدٍ
أقول لها القديمُ هو الجديد

كشفتُ بأمسِ وجهَ غدٍ رهيبٍ
أماطت عنه قافيةٌ شرود

كزرقاءِ اليمامة حين جلَّا
مصائرَ قومها بصرٌ حديد

وما كنتُ النبيَّ بها  ولكن
نبيُّ الشعرِ شيطانٌ مريد

لعمرك إن سادرة الليالي
إذا لم تُخشَ عودتها تعود

تعود بمثل ما حملت و ألقتْ
ومثل لداتها الفجرُ الوليد

ومن لم يتعض لغدٍ بأمسٍ
وإن كان الذكي هو البليد

* * *

أفتيانَ الخليجِ ورُبَّ ذكرى
تُعاد ولا يمِل المستعيد

سعيت إليكمُ يحدوا ركابي
لقاءُ صنوُ مسعاكم حميد

إلى هذي الوجوه تشع لطفاً
يشع بمثلها هذا الصعيد

تحدبتم علىَّ ينثُ حولي
نديُّ الحبَّ و الطفُ المجود

فبوركتم و بورك ما تبنت
مواهبكم و بوركت الجهود

بكم و الصفوةِ الواعين تاهت
بأجمل واحة قفراء بيدُ

من الملح الأجاج مشى ريخاً
يرقّص نخلة شبمٌ برود

يسيل بقاحلٍ عذب فراتٌ
وفي الرمل اليبيس يرف عودُ

وقفت على الخليج تذوب فيه
زمردةٌ يزانُ بها الوجود

تدور على الحِفاف كما استدارت
على النحر القلائد والعقود

طليقاً لا المسافُ يحد منه
ولا تقف الحواجز والسدود

وحول ضفافهِ يمتد نبعٌ
بما يُحيَّ يفور وما يبد


(1) اليَفَن : الشيخ الكبير في السن .

المصدر : ديوان الجواهري – المجلد الخامس – بيسان للنشر والتوزيع والإعلام 2000م