أبا الشعر .. تغن بتموز .

تَعاصَت على التاريخ حتى تَحيَّرَتْ
به صفحاتٌ كيف يُملَى ليُكتَبا

وحار الرُواةُ المخلصونَ فلم يكن
ليصدُقَ فيه المرءُ إلا ليكذِبا

أُطيحَ بها هامُ الطُغاةِ فكُوِّرَتْ
على هام من هزَّ الطغاةَ وأرعَبا

ودَقَّت بأجراس الخلاص فأطبقَتْ
على من دعا يومَ الخلاصِ وقرَّبا

وأُبدِلَ من عهدٍ رثيثٍ بآخَرٍ
جديدٍ ولكن أشوهَ الوجهِ أحدبا

وجاشت به الأضغان جُبناً، وغَدرةً
ولؤماً، وإسفافاً، وعِرقاً ومذهبا

وأبدَت جُلودٌ ناعماتٌ صميمَها
فكنَّ " ضِباعاً " جائعاتٍ، و " أذؤبا "

وضجّت " سجونٌ " من خليطٍ مُنافرٍ
كما ضمّ " نُزلٌ " مُوحِشٌ من تغرَّبا

تلاقت على بُهْمٍ وبَرٍّ وفاجرٍ
كما خبطت عشواءُ ليلٍ لتحطِبا (2)

ولاحت ل " تَموّز " رُؤى أمِّ واحِدٍ
وقد أسلَمَتْه القابلاتُ ليُصلَبا

وأغفَى عمٍ للطائشات تقودُه
وجانبَ واعٍ قسطَه فتَهرَّبا

و " صوَّف " من لم يعرف " الديرَ " عُمرَه
وقد خذلته نُهزةٌ فترهّبا

وقارع كأس الموت بالصبر صامِدٌ
وأفرغَ من أسآرها ما ترسَّبا

ونِمتُمْ على جَمر الغَضَا تَحضُنونَه
ب " ساعةِ صِفرٍ " خوفَ أن تتسرَّبا

وخاطَرْتُمُ: إنَّ المنيّةَ كالمُنى
كفاءٌ بسُوحِ المجد أن تُتَطلبا

ودوَّت فلا والله مارنَّ مثلُها
على سامعٍ ممن حَبا أو تنصَّبا

تلاقى عليها الخَلقُ لم يُبقِ مِطرفاً
من البيتِ لم يَسحبْ ولم يُبق مَسحبا (3)

وشعّت وقد عَيَّ اللسانُ، ضمائرٌ
ترِفُّ على سُمْر الوجوه لتُعرِبا

عَطَفْتُم به من بعد ما كادَ نَقمةٌ
على خُدَع الأحلام أن يتَنكَّبا

وفَجَّرْتُم منه الينابيعَ ثرَّةً
من البذل لم يتركْ لها أمسِ مَسرَبا

وأنعشتُمُ فيها رُؤى " الغدِ " بعدَما
أطارت بما مَنَّتْه " عنقاءَ مُغرِبا " (4)

وجئتُم ب " تمّوزٍ " جديدٍ مُسعِّرٍ
يلوبُ على ما فات أسيانَ مُغَضبا

فأسفر عن " عَشْرٍ " وِضاءٍ كما انجلى
سنا الفجرِ عن ليلٍ تطاول غيهبا

سنا الفجرِ إلا غيمةٌ ثم تنجلي
وإلا رمادٌ ثم يُذرى به هَبا

كشفتُم بها من وَجهه ما تقطَّبا
وقوَّمتُمُ من جِذعه ما تخشَّبا

وأبدَلْتُمُ تِلك المغارِمَ مَغنماً
وصيّرتمُ تلك المخَاسِرَ مَكسَبا

وأُفرغْتُمُ قلباً بقلبٍ فأخصَبا
وطوَّعتُمُ شكساً وإلباً فأصحبا (5)

وقُلتُم: عِما خيراً ل " زابٍ " و " دجلةٍ "
وللنخلِ والزيتون: أهلاً ومرحبا

وسرَّحتمُ الآلاَف صعَّدَ فوقها
بلاءُ السجونِ المُطبقاتِ وصوَّبا

وأشركْتُم في حُكم " حِزبٍ " محبَّبٍ
أخي ثقةٍ " حِزباً " وثيقا مُحبَّبا


(2) البُهم بالضم: جمع بهيم وهو المجهول الذي لا يعرف.
(3) المِطرَف والمُطرَف: واحد المطارف وهي أردية من خزٍّ مربعة لها أعلام.
(4) عنقاء مغرب: مما تخيله العرب من الطير الخرافي.
(5) الشكس: السيء الخلق. والألب من قولك: كان القوم إلباً عليه أي مجتمعين على عداوته.