الجواهري : جمال الطرح والقدرة الشعرية
ياسر جاسم قاسم – العراق
ترك الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري تراثا سيبقى حاضرا في الأذهان طالما بقي للشعر دور في حياة الأمم. وعدّ الجواهري شاعرا عالميا، بدليل مشاركته في مؤتمر المثقفين العالمي للدفاع عن السلام، وكان ذلك في بولندا عام 1948. وكان من أبرز الحاضرين فيه الرسام الإسباني بابلو بيكاسو، والشاعر الفرنسي بول إيلوار، والشاعر الأفريقي الفرنسي أيميه سيزير، والرسام الفرنسي فرناند ليغر، والكاتب السويسري ماكس فرميش، والراهب الكاتب البريطاني هولت جونسون، والكاتب الروسي ايليا غرنبورغ، والألماني فريدريك وولف، والنحات الأمريكي جودا فيدسون. ولا شك في أن لقاء الجواهري بمثل هذه الشخصيات قد أسهم في رسم ملامح حياته الأدبية.
ولد محمد مهدي الجواهري في مدينة النجف العراقية عام 1899. كان والده عبد الحسين أحد علماء الدين في النجف، وكان والده يريده عالما مثله، ولكن الجواهري الابن كان ميالا للشعر. أصدر في بداية حياته كشاعر مجموعة من القصائد أطلق عليها اسم حلبة الأدب، وقد عارض فيها شعراء قدامى ومعاصرين. صدرت له دواوين شعر هي: بين الشعور والعاطفة، وبريد العودة، وأيها الأرق، وخلجات. توفي الجواهري في عام 1997 عن عمر يناهز ثمانية وتسعين عاما.
هناك أكثر من رواية بالنسبة إلى من أطلق لقب شاعر العرب الأكبر على الجواهري، فرواية تقول إن العراقيين هم من أطلق عليه اللقب، ورواية أخرى تقول إن الأديب المصري، طه حسين، هو من أطلق اللقب على الجواهري. ويورد صديق الجواهري، الباحث محمد حسين الأعرجي، المحادثة التالية بينهما التي تدل على إطلاع الجواهري على الأدب العالمي، مثلما تدل على تواضعه الشخصي :
بعد أن اطلع الجواهري على مسرحيات شكسبير داخ إلى الدرجة التي رأيته يسألني متعجبا : يعني أبو هاشم صدق أنا شاعر العرب الأكبر؟ لعد هذي الأمة شكد متخلفة؟ هو هذا أدب واللي أنكتبة إحنه أدب؟ فقلت له: أبا فرات أنت شاعر وجداني وشكسبير شاعر مسرحي ولا مجال للمقارنة، فوالله ما زاد على أنه قال : أقنع نفسك أبا هاشم.
ومع أن الجواهري استفاد من الرؤية الأدبية الغربية القادرة على النهضة بالشعر ووظفها في شعره، فقد كان شعره شرقيا ولكن نهضويا خادما لقضايا أمته. قال يوما ساخرا من المناصب الحكومية التي لم تع قضيتها تجاه وطنها :
ولو جربوا أهل المناصب وحدهم
لهان ولكن جُرِّبوا في المناصـب
من الظلم أن تأتي قصيدة شاعر
لتصـلح حـالا أو مقالةُ كاتب
ولا تحسـبوا سـهلا بناءَ دوائر
وتوقـيع أوراق وتـوزيع راتب
ورغم أن الجواهري كان حاملا لقضية وطنه، ومواكبا للظلم الذي وقع عليه، إلا أنه كان ينظم أشعار الغزل والجمال ما استطاع. والغزل في الشعر العربي يكون عادة إما غزلا روحيا كما هو في شعر العذريين، وإما غزلاً حسياً يذكر مفاتن المرأة الجسدية. وكان الجواهري يحتقر الشعر العذري ويرى أن إدعاء العذرية مناف لطبيعة الإنسان، فيقول :
ما أسخف العُذري يسحق جمرةً ويمصّ جمرا
ولا يخلو شعره من الرومانسية التقليدية، ونجد ذلك في وصف الجواهري لقصور سامراء الذي يشبه الوقوف على الأطلال في القصائد القديمة :
والجعفريّ ولم يُقصِّر رسمه الـ
باقي برغـم الدهـر عن تمثيله
بادي الشـحوب تكاد تقرأ لوعة
لنعيمه المسـلوب فوق طلوله
وكأنما هـو لم يجد عن جعفر
بدلا يُسـر به ولا عن جـيله
ولعل أهم سمات الجواهري التمسك بالتفاؤل رغم قسوة الظروف، ويتجلى ذلك في قصيدة رائعة عنوانها أيها الأرق ويقول فيها :
أنا عندي من الأسى جبل
يتمـشى معي ويتنقل
أنا عندي وإن خبا أمل
جذوة في الفؤاد تشتعل
وهو أيضا إنسان مرهف الأحاسيس، ويتمنى امتلاك القدرة على تغيير الواقع السيئ. قال في عام 1931:
أشـتهي إني ولو في حلم
أمسـك الأمر لأدنى زمن
ولقد يُلهب من عاطـفتي
أن هـذا زمـنٌ لـم يئن
أو دعوني دفة الحكم ولو
ســاعة آت بما لم يكن
وهكذا يمكن القول إن الجواهري لعب دورا رياديا من خلال فنه النابع من أصالة لا تعتمد التقليد، بل ترسخ مفاهيم الحداثة الشعرية الصادقة، وليس تجميعا لأفكار لا يحسبها المتلقي شعرا. ومن نافل القول إن الجواهري شاعرٌ عظيم، والذي يتأثر به وبنفسه الشعري لا بد أن يصوغ شعرا نابعا من الأعماق وحاملا المعاني الخالدة للشعر.
مراجع
1) دواوين الجواهري.
2) الجواهري: دراسة ووثائق. محمد حسين الأعرجي. الناشر: المدى للثقافة، 2002.
3) صحيفة المدى. العدد 19. السنة السادسة. 1998.
4) www.jawahiri.com
المصدر : عود الند – مجلة ثقافية شهرية . العدد الثاني : 7/يوليو/2006
اخي العزيز موضوع جميل ويستحق الثناء والتقدير وبارك الله بك على هذا المجهود القيم ان شاء الله يكتب لك في ميزان اعمالك .. واصلك تميز اخي الكريم