النجوى .

خليليَّ إنَّ ادكارَ الصبّا
يُهَيّجُ من عيشنا ما نَسينا

هَلُمّوا رفاقي فهذا الضياء
سينشرُ أعمالَنا إنْ طُوينا

ابن أيُّها البدرُ كيفَ النَّجاة
وأين اقتنْصنا ، وأني رُمينا

وكيفَ استحالَ صفاءُ الربيع
هموماً تصاحِبنا ما بَقينا

وكيفَ اختفائيَ تحتَ الظلال
زمانَ صِبايَ مع اللاعبينا

وكيف إذا البدرُ حتى الوِهاد
نَخِفُّ لطلعتهِ أجمعونا

نسير على خُطُواتِ الشّعاع
كأنا إلى غايةٍ سائرونا

وكيف السَّلامُ عَقيبَ الصِدّام
وكيفَ التمازجُ ماء وطينا

أعيدوا الطفولةَ لي إنَّها
تُعيدُ النواهةَ لي والقينا

* * *

وليلٍ أراني دبيبُ السَّنا
بهِ كيف تحيا أمانٍ بَلينا

وقد ذهب الَّليلُ إلاَّ ذَماً
كما ردَّدَ النَّفَس َ الجارضونا (2)

وآذنَ بالصبحِ صوتُ الهَزار
كما هيَّجَ النَّغَمَ العازفونا

صُداحٌ هو الشّعر زاهي البيان
يُكذِّبُ ما زخرفَ المُدَّعونا

وكم هاجَ في شدوهِ الأعجمي
خواطرَ أعجزتِ المُفصحينا

يهبُّ على نَسَماتَ الصْباح
إذا ما استهانَ بها الرّاقدونا

خليليَّ روح الحياة النَّسيم
فلولا انتشاقُ الصَّبا ما حيينا

* * *

ويوم ٌتضاحكَ فيه الرَّبيع
وحيَّتْ ورودُ الرُّبى المجتلينا

تمشَّى على الروض روحُ الاله
فمالَ ومِلْنا له ساجدينا

حدائقُ خَطَّ عليها الجمال
قصائدَ أعْجَزَتِ النَّاظمينا

كأن جلالَ الهوى شَّفها
ففاضتْ دموعاً وسالتْ عيونا

* * *

وساقيةٍ باتَ قلبُ الدُّجى
يُعيد عليها الصَّدى والأنينا

جرتْ وأجرَّتْ دموع الغرام
فلا عَذُبَ الوِرْدُ للشاربينا

عليها رياضٌ كساها الرّبيع
مَطارفَ يَعيا بها المُبدعونا

أُحِبُ الحقولَ لأنَّ الجمال
تجمَّعَ فيها فنوناً فنونا

فيا ساكني فَجَواتِ البطاح
هنيئاً لكمْ أُيُّها الخالدونا

نعيماً فلا الريحُ خاوي المهبّ
ولا الرُّوحُ ذلَّلها الطَّامعونا

خليليَّ أُفٍ لهذي المروج
إذا ما استبدَّ بها المالكونا

وليتَ الفداء لكوخ الفقير
قصورٌ أنفَ بها المْترَفونا

إذا ما استدارتْ خطوبُ الزَّمان
ستعلمُ أيُّهُمُ الخاسرونا

فانَّ الهبوطَ بَقدْرِ الصعّود
فانْ شئتَ فَوْقاً وإنْ شئتَ دونا

وَمنْ في البسطةِ يَفدي البسيط
ويفدي ذَوُو الجَشعِ القانعيا

* * *

ألا هَلْ أتى نوَّماً في العراقِ
أنَّا للأجلِهِمُ ساهرونا

أحبَّتنَا إنَّ همسَ البحار
زفيرُ الأحَّبةِ لو تعلمونا

أصيخوا ولَوْ لاهْتزازِ القلوب
فليسِ من العدلِ أنْ تُوحدونا

إذا ما وردتمْ نميرَ الحياة
وراقَ لكمْ وِرْدُه فاذكرونا

وإن لاحَ صبحٌ لكمْ فاذكُروا
بأنَّا بليلِ العمى خابطونا

وإنَّ عُضالاتِ هذا المحيط
نقائصُ أعوزها المصلحونا

هياكلُ أخنى عليها الجمود
فغيرََ الذي وجدوا لن يكونا


(2) الجرض محركة : الغصص .