ماذا أغنّي ؟ …
*أرسلها الجواهري الكبير الى صديقه السيد "جلال الطالباني" رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في 10/ 12/ 1980 جواباً على رسالته التي يستثيره فيها على أن "يغني" من جديد يعد صمت غير قصير .
شوقأَ "جلال" كشوق العين للوسن
![]() كشوق ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ
![]() شوقاً إليكَ وأنتَ النورُ مِنْ بصري
![]() وأنت مني محلَّ الرَّوحِ في البدن
![]() وأنتَ منْ قلّةٍ يسخو الزَّمانُ بها
![]() تستلُّ من كثرةٍ عبءُ على الزمن
![]() شوقاً إليك ، وان ألوَتْ بنا مِحنٌ
![]() لم تدرِ أنّا كفاء الضُرِّ والمحن
![]() لم تدر أنَّ فراقَ الصامدينَ لها
![]() هو اللقاءُ على نهجٍ من السنن
![]() مستوثقٌ ينتهي سَعِيُ الحجيج به
![]() حيثُ ابتدت صَيحةُ الغادين بالوثن
![]() * * *
![]() يا ابنَ الذُّرى من عُقابٍ غيرِ مُصعدةٍ
![]() شُمّ النسورِ به إلا على وهن
![]() يَرقى السماواتِ عملاقاً ، وتحضنُه
![]() غرُّ النجوم ، ويلقاها بمحتضن
![]() حتى إذا هزّ عطفيهِ ، وعاودهُ
![]() رعيُ السفوح بمنجاةٍ من الفتن
![]() نلقفتهُ ينابيعٌ ، وأدويةٌ
![]() خضرٌ تجلببنَ مَوشياً من اليمن
![]() من لطفها وتساميه مشى بشرٌ
![]() فيها بأحسن من خلقيهما الحسن
![]() من كلِّ أبيضَ صهَّال بها حردٌ
![]() آبَ عَضاضَ لجامٍ منه أو رسن
![]() صعبُ الشكيمةِ مرداةٌ مقحَّمة
![]() مستبسلٌ ، مسترابُ الممتطى حزن
![]() طابت ألوكتكَ الغراء تنفحني
![]() بعطرِ عهدٍ كريعانِ الشبابِ جني (1)
![]() وذكرياتٌ كأنّ البعدَ يصبغها
![]() بكلِّ مفتتنٍ فيها لمُفتتَن
![]() حسبي غناءً بما فجَّرت من ألمٍ
![]() مبَّرحٍ في حنايا الصدر مُختزن
![]() وحسبُ شعري فخراً أن يحوز على
![]() راوٍ كمثلك ندب ، مُلهَم فَطِن
![]() عفَّ النقيبة ، حيث العَفُّ نادرة
![]() وطاهرِ النفس لم تطرق على درن (2)
![]() * * *
![]() يا صفوةَ الصفو من صحبي واقربهم
![]() مني ، واصدقهم في السر والعلن
![]() ناشدتني ولبَعضِ النشْدِ معتبةٌ
![]() وربّ مَعتبة من سيئ الظِّنن
![]() أن لا أزمَّ -كما عُوّدتُ – من شفةٍ
![]() لم تلف مزمومة يوماً ، ولم تكن
![]() وأن أُغنّي ، وأن أجدو – تريدُهما
![]() للثائرِ الحرِّ لا للطيرِ في الفنن
![]() صفحاً جلال ، فقد أفرزت هاجعةً
![]() من الرؤى ، وأطرت النوم عن شجني
![]() فوالدي صار تمثالاً لصورته
![]() من الضمائر لم تُجحدْ ولم تَبِن
![]() اني – كعهدك – تلك النار تعرفها
![]() وذلك الصُلب ، لم تخمُدْ ، ولم يكن
![]() لم تُلِف من مصطِل شهمٍ يؤججُّها
![]() أو محرب بمدوّي وقعة قمن
![]() فما التغني ؟ ولا موحٍ ، ولا سمر
![]() ولا سميع وكلٌّ لفّ في كفن
![]() ماذا أُغني ، وبي جمرٌ على شفتي
![]() ومن أُغنّي ؟ وما من معشر أذن
![]() لم يبق في "الحيَّ" من يحمي ضَعينتَهُ
![]() ولا على الدار من يرمي عن السكن
![]() لا يُصرخ الجارَ منهم عرضُ جاره
![]() ولا يُعَنِّي طليقاً موت مرتهن
![]() أم أنت تقرُن من أمسٍ وعزته
![]() وذُلّةِ اليوم ، أمر غيرَ مقترن
![]() شتان أيّامَ تبكي روضةً أنَفاً
![]() ويوم تُدعى لتبكي على دمن (3)
![]() * * *
![]() من ذا أغنّي أشتاتاً موزّعة
![]() على التمزّق والثارات والإحن
![]() أم صابرين على ضيم ومسكنةٍ
![]() صبر الحمار على مرأىً من الأُتن
![]() أم "الطلائع" مزعومين شفّهمُ
![]() وجدُ التجار بسوق الربح والغَبن
![]() أم "الربيط" كعير الحيَّ في وتَدٍ
![]() من المهانة لا يرضى لممتهن (4)
![]() ما كان أبعدَ يوميه .. على طنفٍ
![]() من "الأمارة" مِلء العين والأذن
![]() |
(1) الألوكة : الرسالة .
(2) نقيبة الإنسان : سجيته وطبيعته.
(3) يقُال :روضة أُنُف : لم تُرْعَ من قبل .
(4) الربيط والربيطة : الدواب المربوطة.
المصدر : ديوان الجواهري – المجلد الخامس – بيسان للنشر والتوزيع والإعلام 2000م
الصفحات: 1 2