ماذا أغنّي ؟ .

لا يرفع الطرْفَ تيهاً في مخاطبةٍ
ولا يَنمُّ بوجهٍ غير مُحتقن

ويوم لا خبرٌ عنه سوى نتفٍ
من التنادُر في حِلِّ وفي ظعن

داري فحُكِّم فاستوصي على هملٍ
مضيِّعِّين ضياع الماء في اللبن

مُستَوزرين ، وملمومين عن شعثٍ
مثل الجحاش وملزوزين في قرنِ (5)

وسلّطَ العُهرَ كي يحمي مقاتلةً
ويقذفَ الطهر في مستوبئ عفن

حتى اذا عصف الدولابُ ، وارتطمت
هوج العواصف بالسفّار والسُفُن

ماتت "فحولةُ" أيامِّ الرخى به
واليوم يدفعُ عنه العارَ بالعَنن

وقلت لي أنّ "ناساً" شفهم نغمي
به يمنون في السرّاء والحزن

فهل تراني "مزماراً" يُثار به
لهو الخلائف من أعقاب "ذي يزن"

تباً لهم ، أفلا ثاروا ليطربهم
شدو الرصاص ولحن الصارم اللدنِ

فمن يَطحْ منهمُ في غير معترك
فلا سقت قبره صبّابةُ المزن

ومن يَعِشْ ليناغي سمعه نغمٌ
فلّيُصْغِ سمعاً إلى مستنقعٍ نتن

نَقُّ "الضفادع" يغنيه ويؤنسه
وإنه من هُتاف الثائرين غني

ايه "جلال" وما عُودي بمحتطبٍ
ولست من نفرٍ مخضوضرٍ مرن

فإن يُسئك مقال غير مُدَّهن
فعذره انّه من غير مُدَّهن

ما أسخف الناس مسبوكين من ذهبٍ
ومُوحِلين ، ومنفوشين من عهن

وضائعين أباديدا كصارحة
لم تغن من أمرها شيئاً ولم تعُن

خامرتُهمْ غير ما مستغفل بهم
لكن كمن خين في عهدٍ ولم يخن

وكنت "وعداً" لهم في كل مرتقبٍ
ما حان منه ، وما استأنى فلم يَحِن

فما مشت بهمُ الأيامُ ، وانتبذوا
بالمركب السهل ظهر المركب الخشن

إلاّ وقد أدبروا عن أي مؤتمنٍ
واستقبلوا أيّ غدّار بهم أَفِن

وغادروني بمواهاةٍ مصوّحةٍ
وعنده غرف الجنّات من عدن (6)

حتى كأني -وأشبالي- بعيدهم
عُفْرُ الأضاحي من المنحورة البُدُن

وكنت منهم كمصلوب على "وثنٍ"
صحى على ربه يوماً ولم يدن

* * *

يا صاحبي -ويموت المزمنون غداً –
وخالدٌ صِدقُ قولٍ ناصفٍ زَمِن

لئن ندمتُ على ما فات من زمنٍ
فلست آيسُ ان يمتدّ بي زمن

كيف أروحَ أُصالي كل ذي دَخلٍ
من أمرهم ، وأُعرِّي كلِّ ذي دَخَنِ

وكي أنشِّرَ من عوراتهم مِزَقاً
مشهرات على الأرياف والمُدن

اذَنْ سيدرون معنى "الزمِّ" من شفةٍ
لم تُعطَ يوماً ، ولن تعطي لذي لَسن

فلن أغني بأعراسٍ مُهلهَلةٍ
ولن أنوح على موتى بلا ثمن

ولن أطوح نشواناً بليلتهم
حُبلى بمُفتَعل الثوراتِ والفتَن

ولن أُطار بمرجوين في غدهم
من البدائل في الأصباغ والسِحَنِ

* * *

"جلال" صُنتُ عهوداً بيننا وثقت
فما توثقتَ من عهدٍ بها فصُن

لا تبغني بوقَ "حربٍ" غيرَ طاحنةٍ
بها تزيّا كذوبٌ زيَّ مُطَّحَن

ولا تردني لحالٍ لستُ صاحبها
وما تردني لحالٍ غيرها أكُن

شوقاً "جلال" كشوقِ العينِ للوسنِ
كشوقِ ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ


(5) ملزوزون : مربطون إلى بعض . القَرَن : الحبل يقرن به البعيران.
(6) موهاة : من التمويه ، أي أرض تموّه على الإنسان معالمها . مصوّحة : أرض لا نبت فيها ، يقال : صوح النبت ونحوه : يبس حتى تشقق .