في عيد العمال.

في عيد العمال ..
* نظمت عام 1960 في عيد أول أيار، عيد العمال العالمي، وألقيت في المهرجان الذي أقامه الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق.
* نشرت في جريدة الرأي العام.

بكُمْ نبتدي .. وإليكم نعودُ
ومن سَيْب أفضالكم نستزيدُ (1)

ومن فيض أيديكُم ما نَقيت
وما نستجدّ .. وما نستعيد

بكمْ تُبتنى شرفاتُ الحياة
وينشقّ للفجر منها عمود

وممَّا تكّدون تنمو الزرو
عُ وتغذى الجموع .. وتُكسى الجنود

ولولاكمُ لم يقُمْ معهدٌ
ولا اخضرّ نبتٌ .. ولا رفّ عود

ومن جهدكم دائباً مضنياً
توفر للخير منا جهود

وللشرّ .. حيث الدّمارُ الفظيع
يباد به شيخُكم والوليد

بأيديكم إذ يُشدّ الرُّصاصُ
نموت .. وحين تُصبّ القيود

فنحن إذا شئتمُ والفناء
ونحن إذا شئتمُ والوجود

إذن أنتم الدهرَ من حقّكم
إذا حان يومُكُمُ أن تسودوا

لكم وحدَكم سَيُزَفُّ الثنا
وتُزجَى المنى .. وترِفُّ البُنود

فهل ذاق طعمَ الثناءِ الجهيدُ
ونامت بحضن الوفاء الجهود

أصارحُكمْ أيها العاملونَ
وحملُ الصراحة حمل يؤود (2)

لأنكدُ ما عاق سيرَ الشعوب
جهود يُعفّي عليها جحود (3)

ودهرٌ تغطي به العادياتُ
سنى العبقرياتِ دهرٌ بليد

وحكمٌ يُقيم على العبقري
حدوداً .. تقام عليه الحدود

* * *

صحابي .. وأنتم لنعم الصِّحابِ
إذا نُكثت من صَحيبٍ عهود (4)

أرى الغيبَ كالشمس رأدَ الضحى
وكالنّار تعشو إليها الوفود (5)

أرى غدَكم، زاحفاً، فوقه
ترِف مروجٌ .. وتُزهَى ورود

فمِيلوا له .. إنه منكُمُ
قريب .. وما فجرُ ليل بعيد

مَطارقُكمْ هنّ جَرِس الزمان
يدُقُّ .. فيسمعُ حتى الحديد

ومن بينَكمْ سيمُدُّ الكفا
حَ جيلٌ عنيد، شديد، مَريد (6)

مضى أمسِ حيث يقُصّ الشيوخُ
لأبنائهم كيف عاش العبيد .. !

وكيف تعرَّتْ على الزمهرير
زُنود، لتُكسى بخزٍّ زنود

وكيف استوى حبةً حبةً
من العَرَقِ المرِّ عقدٌ فريد

وكيف وأطفالكم في العرا
ءِ صِيغت لطفل السرِّ المهُود (7)

وكيف على كِسرات الرغيف
يُعفرُ في كلّ يوم شديد (8)

مضى أمسِ أسودَ .. ومن خلفِه
وجوه مضَتْ تنطِفُ اللؤمَ سود (9)

وفي " يوم تَمَّوزَ " شُقت، له
وللعاكفين عليه، لحود

وفي وهج " الثورة " المزدهاةِ
تهرَّت من المتخَمينَ جلود

وأنتم وإن حُمَّ فرضُ الوفاءِ
بأنْ حلّ عهدٌ، وولت عهود (10)

وأنْ قد تبنَّاكُمُ أصيدٌ
زعيمٌ بما يتبنّى عميد

فإنّ وراءكم غايةً
ستُطوى مفاوزُ منها وبيد

كأنّ رؤوسَ السعالي بها
وهامَ الشياطين طلعٌ نضيد

إذا ما ركضتم إلى خُلَّبٍ
سرابٍ .. تبدَّى سراب جديد

فلا تستهينوا بدرب الكفاح
فدونَ النهاية شوط بعيد

خذوا يومكم مغنماً واحرصوا
عليه، وزيدوه حِرْصاً .. وذودوا

ونمّوا مكاسبَكمْ لا يرحْ
ثمينٌ تأتّى لكم .. أو زهيد (11)

ولكن مزيداً من التضحيات
ففيهنّ من كلّ خير مزيد

فما زال مستنقعُ الكادحينَ
يُغطّيه للمستغلينَ دود

فما قُبروا كلُهم .. إنما
يضيق بمن عاش هذا الصّعيد (12)

ولم يُنتزَفْ دمُهمْ .. إنما
تفرَّى وريد .. ليعفى وريد (13)

* * *

مضى زمن كان فيه لكم
يلطَّمُ خدٌ .. ويُستام جيد (14)

وسوف يجيء زمان به
تلطّم للمُصعَرين الخدود

مشى الوعي في أممِ المشرقين
ولمُتْ، لكنسِ الوسيخ الحشود

وفَزّت على صَرَخات الجموع
تُنَفِّضُ عنها الخمولَ الرُّقود (15)

غداً إذ تجُرّ الصفوفَ الصفوفُ
وإذ يستثير الوقيدَ الوقيد (16)

وإذ يستقيمُ من الكادحي
ن المستغلين حكمٌ وطيد

وإذ يستظلّ ظلالَ النعيم
طريدٌ لمحتكر، أو شريد

غداً سيذوبون هُمْ والخنا
ويخلُد في الناس مسعىً جهيد

غداً سيَبيدون، إنَّ الشعوب
وإنْ ابطأت زحفَها لا تبيد

غداً سيذوبون ذوبَ الجليد
وكيف يعيش وشمساً جليد

هناك سيذكُر شيخاً وليدُ
ويبكي لما ذاق جدٌّ، حفيد

هنالك سوف يُغنَّى لكم
على وتر القلب هذا النشيد

هنالك سوف يقول الصَّغار
لقد نوَّر الدربَ هذا النشيد (17)

تنبَّأ صاحبه أنْ نسود
وها نحن – رغم أنوفٍ – نسود

وبورك عيدُ نضالٍ سعيدُ
سيتلوه من حسن عقباه عيد


(1) السيب: العطاء.
(2) يؤود: يُثقل.
(3) يعفى: يضيع، جحود: إنكار.
(4) يريد بالصحيب: الصاحب.
(5) رأد الضحى: شدته وارتفاعه.
(6) المريد: المتمرد.
(7) السري: السيد.
(8) على كسرات: من أجل، يعفر: يترب أي يقتل ويلقى على التراب.
(9) نطف: سال – استعملها الشاعر متعدية.
(10) حم: حان ووجب.
(11) لا يرح: لا يضيع.
(12) الصعيد: التراب، الأرض.
(13) تفرى: تشقق.
(14) يستام: يُسام أي يباع ويشرى.
(15) فزت: استيقظت ( متأثراً بالمعنى الدارج ).
(16) الوقيد: الحطب المشتعل.
(17) نوّر: أنار وأضاء.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة