سلاماً عيد النضال.

سلاماً عيد النضال ..
* نظمت في براغ عام 1963.
* نشرت كاملة في " بريد الغربة " بعنوان: "سلاماً .. إلى أطياف الشهداء الخالدين".
* ألقى الشاعر القسم المنشور هنا في الحفل الذي أقيم في قاعة الخلد بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي.
* نشرت في العدد الخاص بهذه المناسبة من جريدة "طريق الشعب"، وفي مجلة "الثقافة الجديدة" العدد 60 نيسان 1974.

سلاماً: وفي يقظتي والمنامِ
وفي كلِّ ساعٍ وفي كلِّ عامِ (1)

تهادَى طيوفُ الهُداةِ الضِخام

تَطايَحُ هاماً على إثرِ هام

سلاماً: وما انفكَّ وقدُ الضِرام

من الدم يشخصُ حيّاً أمامي

سلاماً: وفي كلِّ ما أستعيدُ
من الذكريات وما أستفيدُ

من العِبرِ المُوحياتِ الدَّوامي

أُحسُّ دبيباً لها في عظامي

* * *

سلاماً: ومنذ العُصور الخوالي
مُذِ اخضرَّ حقلٌ بسُمر الغِلالِ

ومُذ حُكِّمَتْ سادةٌ في الموالي

تنسَّمَتِ الأرضُ ريحَ النضال

زَهَتْ بالشريد رؤوسُ الجِبال

وتاهَ الثَرَى بالدماء الغَوالي

ودقَّتْ مساميرُ خجْلى عَطاشَى
بكفِّ المسيحِ فطارتْ رَشاشا

بقايا دمٍ للعُصور التوالي

تُخضّب بالمجد هامَ الرجال

* * *

سلاماً: وراحت رُكاماً رُكاما
تُمِدُّ البطولات هاماً فهاما

وتُلقي على كل دربٍ إماما

تُحاذر منها الطُغاةُ انتقاما

وتَرْهَب من طيفه ما أقاما

نظاماً يبدِّلُ منها النظاما

سلاماً:  وراحت تثور العظامُ
ويعصِفُ بالعصفات الرُكامُ

ويشمَخُ في كلِّ جيل إمام

يُمِدُّ البطولاتِ هاماً فهاما

وينفَخُ في كل رُوح ضِراما

* * *

سلاماً: وراحت شُعوبٌ تَثوبُ
ويزحَفُ غضبانَ حقٌّ سليبُ

سلاماً: وبالدّم ضَوَّتْ درُوبُ (2)

بها راحَ يتلو صليباً صليب

سلاماً: وما انفكَّ نوءٌ يَصُوب

من الدم يُخصِبُ منه الجَديب

سلاماً: ولم تألُ تنمو زُروعُ
عليهنَّ يتلو الصريعَ الصريعُ

سلاماً: ونعمَ الحصادُ الوُثوبُ

ونعم المُثاب، ونعم المُثيب

* * *

سلاماً: ودَوَّى صِراعٌ عنيدُ
به السادةُ استَبْسَلتْ والعبيدُ

سلاماً: وراحتْ تُصَبُّ القيودُ

ويحمرُّ فَرطَ الحياءِ الحديدُ

وتُفْرَى لتَغدو سِياطاً جلود (3)

ويُطرِقُ في الغاب خَزيانَ عود

تحُثُّ المشانقَ منها اعتِسافا
تَدَلَّى عليهنَّ هِيفاً لِطافا (4)

من الصِيد في كل صبح قُدود (5)

بهنَّ من الفجرِ يَخْزَى عَمود

* * *

سلاماً: وألقى النضالُ الرِحالا
بأرضٍ بها الدّمُ يسقي الرِمالا

بحيث تجِدُّ الرياح انتقالا

تهُزُّ الجنوبَ وتُزكي الشّمالا

وحيث تُحبُّ الحياةُ الجدالا

يصارِعُ فيها الحقيقُ الخيالا

سلاماً: وفي دجلةٍ والفراتِ
مَخاضُ الصعاليكِ، مَهْوَى الشُراةِ (6)

أناخَ النضالُ يجُرُّ النضالا

ويُبدلُ ما اسطاعَ بالحال حالا

* * *

سلاماً: ومن دجلةٍ والفراتِ
ومن حُفَرٍ لِصْق دُور الشرَاةِ (7)

ومن رَحِم الأزَمِ المُعسرات (8)

ومن جُبك العُقَد الموغِرات

تَحَدَّرُ في حِقَبٍ خيِّرات

مغاويرُ في مِشيةٍ مُزدَراة

كُماةٌ يُخيفون مَوتاً يُخيفُ
وراحَتْ عليهن تلاقَى الصُفوف

وعادت تَنَصَّبُ كالنيِّرات

شُموخاً جِباهُ الحُفاةِ العُراة

* * *

سلاماً: مصابيحَ تلك الغلاةِ
وجمرةَ رملتِها المُصطلاة

سلاماً: على الفكرة المُجتلاة

على صَفوةِ الزُمَرِ المُبتَلاة

وُلاةِ النضال، حتوف الوُلاة (9)

سلاماً: على المؤمنين الغُلاة

سلاماً: على صامدٍ لا يُطال
تعلَّمَ كيف تموتُ الرجال (10)

سلاماً: على الميتة المُفتلاة (11)

على صهوة الخطر المُعتلاة

* * *

سلاماً: وما ظلَّ نجمٌ يلوحُ
وما ساقَطَتْ وَرَقَ الدَّوحِ ريحُ

ستبقَى رُؤوسٌ ضِخامٌ تَطيح

ويبقَى يَجُرُّ الجريحَ الجَريحُ

وسوف يَظَلُّ يُدوِّي طُموح

لفجرٍ يلوحُ وديكٍ يَصيح

سلاماً: وما ضج قَصْفُ الرُعودِ
فسوفَ تَظَلُّ دماءُ الشهيدِ

تضِجُّ، وسوف يُرَجُّ الضريحُ

ليومٍ يُباحُ به المستبيحُ

* * *

حُماةَ النضال وجيلٌ يفورُ
على مِحوَرٍ من شُموسٍ يَدور

يسيرُ ويعرِفُ أينَ المَصير

له ألفُ نجمٍ بنجمٍ يَغور

سيُملي إرادته إذْ يثور

وتُجتَثُّ يوم يَثورُ الجُذور

سيحرُث أرضاً أباديدَ بُورا
ويُطلِعُ رَوضاً عليها نضيرا (12)

على مثلِها لن تعيشَ الشُرور

ولكن يعيشُ القمينُ الجديرُ

* * *

سلاماً: وفي كل جيلٍ وجيلِ
ستُلفى قِداحُ بكفَّ المُجيل (13)

سلاماً: وفيما تُذيع العُصورُ

ستُنعِشُ منها الشِفاهَ العطور


(1) الساع: الساعات. ويريد بها الساعة.
(2) ضوت: يريد أضاءت.
(3) تفرى: ( بالبناء للمجهول ): تقطِّع.
(4) اعتساف: جور.
(5) الصيد: الكرام.
(6) الصعاليك: جماعة من فقراء الناس اتخذت الصعلكة طريقة في الحياة تفرض بها نفسها على المتنفذين والأثرياء. الشراة: فرقة من الخوارج عرفت ببأسها وتضحيتها، ويريد بالشراة هنا الخوارج عموماً.
(7) السَراة: جمع سرى على غير قياس: الأغنياء.
(8) الأزَم: جمع أزمة وهي الشدة.
(9) الولاة الأولى: أولياء، والثانية: الحاكمون.
(10) لا يُطال: لا يغلب.
(11) افتلاه: ضربه بالسيف.
(12) أباديد: متفرقة.
(13) القداح: جمع قدح وهي السهام التي يُستقسم بها أي يستفتى بها ليختار صاحب القدح ما يشير إليه السهم. المجيل: الذي يستقسم بالقداح.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م