ناجيت قبرك .

نظمت والشاعر في بيروت في طريقه إلى المؤتمر الطبي العربي ، مندوباً عن العراق .. وقد وصله خبر وفاة عقيلته المفاجيء ، عن عارض مؤلم لم يمهلها سوى يومين .. فتخلّى عن الالتحاق بالمؤتمر وقفل راجعاً إلى بغداد .. وكان ذلك عام 1939م.
 – نشرت في جريدة " الرأي العام " العدد 178 في 18 آذار 1939 .

في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ
أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِدُ

قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ  بَعُدوا
عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا

تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها
رأْيٌ بتعليلِ مَجْراها ومُعْتَقَدُ

أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ
ماذا يُخَبِّي لهم في دَفَّتَيْهِ غَدُ

طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ
ولا تَزالُ على ماكانتِ العُقَدُ (1)

ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَة ٌ
فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ (2)

ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَتْ
ولا العجوزُ على الكَفَّيْنِ  تَعْتَمِدُ

وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ  نَصَفَاً
أعمارُهُنَّ ولم  يُخْصَصْ بها أحدُ

حُيِّيتِ (أمَّ  فُرَاتٍ) إنَّ والدةًً
بمثلِ ما انجبتْ  تُكْنى بما تَلِدُ

تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِهَا
بُدَّاً, وإنْ قامَ سَدّاً بيننا اللَّحدُ

بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَةٌ
بينَ  المحِبينَ ماذا  ينفعُ الجَسدُ

عَزَّتْ  دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً
رَجعتُ منهُ  لحرَّ الدمعِ أَبْتَرِدُ

خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُني
وبانَ  كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِدُ

بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني
ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَرِدُ

كما تَفجَّر عيناً ثرةًً حَجَرُ
قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِدُ (3)

إنَّا إلى اللهِ! قولٌ  يَستريحُ  بهِ
ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا


(1) التمحل : اللف والدوران حول الشيء ، والتحيل للوصول إليه .واعتاصت : تصعبت وتعقدت.
(2) لبد : هو اسم أحد النسور التي احتضنها “لقمان بن عاديا” في الأسطورة الواردة من طول عمره وأنه استنزف أعمار النسور كلها وكان لبد اطولها عمراً . ويوضح ذلك في الأبيات التي تلي .
(3) حجر : فاعل لتفجر ، عيناً : تتميز به ، والثرة : الفياضة الغزيرة .والصلد : الصلب .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م