عاشوراء .

تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى
على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا

بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ
ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا

وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ
وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا

وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ
إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا

وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى
قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا

ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ
لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا

وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ
تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا

وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ
وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا

وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ
لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا (1)

وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه
وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا (2)

وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها
من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا

وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه
قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا

فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن
كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا

ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض
يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا

وقلَّبها من كل وجه فسرَّه
بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا

فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً
ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا

وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ
وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا

وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه
كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا

وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه
مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا

وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه
فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا

وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا
وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا

لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً
ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا

وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه
وصُحبَتهُ ، حتى امتطاه فسيَّرا

نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا
من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا

وأن يتراءى قرده متقدِّماً
يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا

وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه
عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا

تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ
ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا

وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه
على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا

وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها
وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا

إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً
عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا

وغنَّتهُ من شعر "الاخيطلِ" قَينَةٌ
وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا

فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ
من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى

وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ
من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا

وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها
وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا

على أنه بالرَغم من سَقَطاته
وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا

فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة
بأُخرى ، ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا

وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة
زَوَت عنه ما لاقَى الحسين وما جَرَى

ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ
تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا (3)

لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه
وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا

* * *

أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه
يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا

دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها
ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا

وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه
بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا


(1) رخم معاوية في غير النداء ، وفي كلام العرب من هذا كثير .
(2) اشارة إلى المثل : (كل الصيد في جوف الفرا) ويضرب لمن يفضل على غيره .
(3) الذحول : جمع ذحل وهو الثأر .