القرية العراقية .

* نظمت عام 1932 في أثناء جولة قام بها الشاعر في قرى الفرات وعشائرها .. 
* نشرت في الطبعة 35 بعنوان "وصف الطبيعة .. في القرية" 
* نشر قسم منها بعد صدور الديوان في مجلة "الإعتدال" النجفية، العدد الخامس ، السنة الثالثة تشرين الأول 1935 . 
* ألقيت من إذاعة بغداد في 28 تشرين الثاني 1935، وأعيد نشرها كاملة، في جريدة "الرأي العام" العدد 260 في 1 كانون الأول 1939.

رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو
ضةِ لطفٌ من السَّما مسكوبُ

ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ
شُعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب

كلُّ شيءٍ تحت السما بلونٍ
شفقيٍّ مورَّدٍ مخضوب

وكأنّ الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ
بآصالِها إطارٌ ذهيب

مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ
الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب

والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض
بكفِّ الدُجى أخيذٌ سليب

منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ
جميلٌ وإذ يَحِينُ الغروب

ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ
مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيبُ

يُظهر الشيءَ ضدُّه .. وتُجاى
بسواها محاسنٌ وعيوب

وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه
إلى الناظرينَ مرعَّى جديب

* * *

ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدُمه
الأطيارُ مرعوبةً وريحٌ جَنوب

وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ
بقُطعانِهم تَضيقُ الدروب

يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي
في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب

شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً
تحت جُنحٍ من الظلام يذوب

وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى
قد أُجيد التنسيقُ والترتيب

وتراها وشعلةُ الشفقِ الأحمرِ
تبدو أثناءها وتغيب

كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه
قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب

* * *

ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى
من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب

منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ
لقلبِ الفلاَّح حين يئوب

يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ
مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب

بُرهةً ريثما أنقضى سمرٌ
تقطرُ لطفاً أطرافُه وتَطيب

واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ
أريبٌ نِضْوٌ حريبٌ تَريب

سكَنتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ
واستفزَّ الأسماعَ حَّتى الدَّبيب

واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق
وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب

ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ
وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب

أو نداءاتُ حارسٍ وهو في
الأشباح لاحتْ لعينه مستريب

أو صدَى "طَلقةٍ" يبيتُ عليها
أحدُ الجانبينِ وهو حريب


المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م