القرية العراقية .

لا ترى ثَمَّ – غيرَ أن يتركَ
الحبُّ شحوباً – وجهاً علاهُ الشحوب

ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ
ولا عن طلاقةٍ محجوب

الهواءُ الهبَّابُ ، والنورُ ،
والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب

ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ
تتناجى حبيبةٌ وحبيب

قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد
هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب

طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت :
إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب

قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ
فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب

إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها
دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب

ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد
يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب

يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ
الهمُّ كما بُعثِرَ الثرى المكروب

وعيوني هلاّ نَضبتِ .. وقد
ينضبُ من فرطِ ما يسيل القليب

* * *

عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ
جميلٌ وعندَهم أُسلوب

ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّّا
لسواهمْ مضايقٌ ودروب

مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ
ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب

ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ
عفواً .. ومثلُه مغصوب

إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون:
محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب

نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا
حسناتٌ منها .. وفينا عيوب

بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ
والضرعَ .. والضمير رقيب

ليس ندري ما يفعلانِ ولا
نعلمُ عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب

ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ
اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب

غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً
نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب

والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ
نحو الصباباتِ .. والفتاةُ لَعوب

بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر
كما بالرِّياح يُذكى اللهيب

ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان
هنلكم " نجيبةٌ ..! " أو نجيب..

إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ
الحبِّ صُلباً والأكثرون يذوب

والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ
المرءَ غِرٌّ يُقيمه التجريب

ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن
نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب

ليس فينا والحمدُ للهِ حتى
الآنَ بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "

فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدَّمِ
سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب (1)

منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّ
يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب


(1) الذنوب : الدلو العظيمة .