القرية العراقية .

تركَ الزراعُ المَزارعَ للكلب
فأضحى خلالَهنَّ يجوب

شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ
له جَيئةٌ بها وذُهوب

كانَ جُهدُ الفلاَّحِ خفَّف عنه
جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب

وهو في الليلِ غيرُه الصبحَ وحشٌ
هائجٌ ضيَّق الفؤادِ غَضوب

فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى
ما لديهِ أظفارُه والنُيوب

إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول
على ترك أمره معتوب

وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات
جريحاً .. ورأسُه مشجوب

ليرى السيّدُ الذي ناب عنه
أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب

ولكيلا يرى مُسامحةً
يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب

* * *

للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌ
هو عن عالَمٍ سواه غريب

يتساوى غروبُهم وركودُ
النفس منهم وفجرُهم والهُبوب

كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ
زرعٌ يرعَوْنه وحبوب

يلحظون السماءَ آناً فآناً
ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب

أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصْوفاً
أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب

إنَّ يومَ الفلاَّحِ مهما أكتسى
حُسناً بغير الغيومِ يومٌ عصيب

وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ
جميلٌ في عينه محبوب

* * *

للقُرى رَوعةٌ وللقرويِّين
إذا صابَ أرضهم شُؤبوب

تُبْصِرُ الكلَّ ثّمَّ حتى الصَّبايا
فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب

يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي
بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب

ويرى الطفلُ أنَّ حصَّته إذْ
يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب

أذكياءٌ .. عيونُهم تسبقُ
الألسُنَ عمَّا ترومه وتنوب

والذي يَستمدُّ من عالم الق
ريةِ وَحياً وعيشةً لَلبيب

مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ
الخيرَ والشرَّ كُلّهُ مكتوب

لا يطيرونَ من سرورٍ ولا
حزنٍ شَعاعاً ، لأنه محسوب

ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ
شحيحاً …والأرضُ عطشى تلوب

أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ
لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب

ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي
قالوا فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا

فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون
: أعُقبى إنابةٍ تعذيب ؟

أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ
وُكفراننا إليه قريب..!

هكذا يَرجِعُ التقىّ أمامَ
العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب

* * *

قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ
كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب

ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا
وفيها هذا المحيط الطَروب

مِلءُ عينيكَ خضرة تُستسرٌّ
النفسُ منها وتُستطار القلوب

عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ
وعليهمْ كما عليه خطوب

غير أنّ الحياةَ حيثُ
تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب

كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ
أعقبتها من البلايا ضروب

وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً
من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب